فسقهم، وهو مما ينقم، ومثل هذا حسن في الازدواج. يقول القائل: هل تنقم مني إلا أني عفيف وأنك فاجر، وأني غني وأنت فقير، فيحسن ذلك لإتمام المعنى على سبيل المقابلة. والثالث: أن يكون الواو بمعنى (مع) أي وما تنقمون منا إلا الإيمان بالله مع أن أكثركم فاسقون، فإن أحد الخصمين إذا كان موصوفا بالصفات الذميمة واكتسب الثاني شيئا كثيرا من الصفات الحميدة كان اكتسابه للصفات الحميدة مع كون خصمه مكتسبا للصفات الذميمة أشد تأثيرا في وقوع البغض والحسد في قلب الخصم. والرابع: أن يكون على تقدير حذف المضاف، أي واعتقاد أنكم فاسقون. الخامس: أن يكون التقدير: وما تنقمون منا إلا بأن آمنا بالله وبأن أكثركم فاسقون، يعني بسبب فسقكم نقمتم الإيمان علينا. السادس: يجوز أن يكون تعليلا معطوفا على تعليل محذوف كأنه قيل: وما تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم، ولأجل أن أكثركم فاسقون. السؤال الثاني: اليهود كلهم فساق وكفار، فلم خص الأكثر بوصف الفسق؟ والجواب من وجهين: الأول: يعني أن أكثركم إنما يقولون ما يقولون، ويفعلون ما يفعلون طلبا للرياسة والجاه وأخذ الرشوة والتقرب إلى الملوك، فأنتم في دينكم فساق لا عدول، فإن الكافر والمبتدع قد يكون عدل دينه، وقد يكون فاسق دينه، ومعلوم أن كلهم ما كانوا كذلك فلذلك خص أكثرهم بهذا الحكم، والثاني: ذكر أكثرهم لئلا يظن أن من آمن منهم داخل في ذلك.
ثم قال تعالى * (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سوآء السبيل) *.
فيه مسائل: المسألة الأولى: قوله * (من ذلك) * إشارة إلى المنقم، ولا بد من حذف المضاف، وتقديره: بشر من أهل ذلك؛ لأنه قال: * (من لعنه الله) * ولا يقال الملعون شر من ذلك الدين، بل يقال: إنه شر ممن له ذلك الدين.