من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين (16) ثم قال تعالى (قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم) والسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق أمته في الاسلام لقوله (وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) ولقول موسى (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) ثم قال (ولا تكونن من المشركين) ومعناه أمرت بالاسلام ونهيت عن الشرك. ثم إنه تعالى لما بين كون رسوله مأمورا بالاسلام ثم عقبه بكونه منهيا عن الشرك قال بعده (إني أخاف إن عصبت ربى عذاب يوم عظيم) والمقصود أنى إن خالفته في هذا الأمر والنهي صرت مستحقا للعذاب العظيم.
فان قيل: قوله (قل إني أخاف أن عصيت ربى عذاب يوم عظيم) يدل على أنه عليه السلام كان يخاف على نفسه من الكفر والعصيان، ولولا أن ذلك جائز عليه لما كان خائفا.
والجواب: أن الآية لا تدل على أنه خاف على نفسه، بل الآية تدل على أنه لو صدر عنه الكفر والمعصية فإنه يخاف. وهذا القدر لا يدل على حصول الخوف، ومثاله قولنا: إن كان الخمسة زوجا كانت منقسمة بمتساويين، وهذا لا يدل على أن الخمسة زوج. ولا على كونها منقسمة بمتساويين والله أعلم.
وقوله تعالى (إني أخاف) قرأ ابن كثير ونافع (إني) بفتح الياء. وقرأ أبو عمرو والباقون بالارسال.
قوله تعالى (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين) وفى الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه قرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي * (يصرف) * بفتح الياء وكسر الراء. وفاعل الصرف على هذه القراءة والضمير العائد إلى ربي من قوله * (إني أخاف إن عصيت ربي) * (الأنعام: 15) والتقدير: من يصرف هو عنه يومئذ العذاب. وحجة هذه القراءة قوله * (فقد رحمه) * فلما كان هذا فعلا مسندا إلى ضمير اسم الله تعالى وجب أن يكون الأمر في تلك اللفظة الأخرى على هذا الوجه ليتفق الفعلان، وعلى هذا التقدير: صرف العذاب مسندا إلى الله تعالى، وتكون الرحمة بعد ذلك مسندة إلى الله تعالى، وأما الباقون فإنهم قرؤا * (من يصرف عنه) * على فعل ما لم يسم فاعله، والتقدير من يصرف عنه عذاب يومئذ وإنما حسن ذلك لأنه تعالى أضاف العذاب إلى اليوم في قوله * (عذاب يوم عظيم) * (الإنعام: 15) فلذلك أضاف الصرف إليه. والتقدير: من يصرف عنه عذاب ذلك اليوم.