فيه لأحد إلا لله تعالى، ولا قدرة لأحد على النفع والضر والرفع والخفض إلا لله. وقوله * (حتى إذا جاءتهم السعة بغتة) * اعلم أن كلمة (حتى) غاية لقوله * (كذبوا) * لا لقوله * (قد خسر) * لأن خسرانهم لا غاية له ومعنى (حتى) ههنا أن منتهى تكذيبهم الحسرة يوم القيامة، والمعنى أنهم كذبوا إلى أن ظهرت الساعة بغتة. فإن قيل: إنما يتحسرون عند موتهم. قلنا: لما كان الموت وقوعا في أحوال الآخرة ومقدماتها جعل من جنس الساعة وسمي باسمها ولذلك قال عليه السلام: " من مات فقد قامت قيامته " والمراد بالساعة القيامة، وفي تسمية يوم القيامة بهذا الاسم وجوه: الأول: أن يوم القيامة يسمى الساعة لسرعة الحساب فيه كأنه قيل: ما هي إلا ساعة الحساب. الثاني: الساعة هي الوقت الذي تقوم القيامة سميت ساعة لأنها تفجأ الناس في ساعة لا يعلمها أحد إلا الله تعالى. ألا ترى أنه تعالى قال: * (بغتة) * والبغت والبغتة هو الفجأة والمعنى: أن الساعة لا تجيء إلا دفعة لأنه لا يعلم أحد متى يكون مجيئها، وفي أي وقت يكون حدوثها وقوله * (بغتة) * انتصابه على الحال بمعنى: باغتة أو على المصدر كأنه قيل: بغتتهم الساعة بغتة. ثم قال تعالى: * (قالوا يا حسرتنا) * قال الزجاج: معنى دعاء الحسرة تنبيه للناس على ما سيحصل لهم من الحسرة والعرب تعبر عن تعظيم أمثال هذه الأمور بهذه اللفظة كقوله تعالى: * (يا حسرة على العباد) * (يس: 30) و * (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) * (الزمر: 56) * (يا ويلتي أألد) * (هود: 72) وهذا أبلغ من أن يقال: الحسرة علينا في تفريطنا ومثله * (يا أسفي على يوسف) * (يوسف: 84) تأويله يا أيها الناس تنبهوا على ما وقع بي من الأسف فوقع النداء على غير المنادى في الحقيقة. وقال سيبويه: إنك إذا قلت يا عجباه فكأنك قلت يا عجب أحضر وتعال فإن هذا زمانك. إذا عرفت هذا فنقول: حصل للنداء ههنا تأويلان: أحدهما: أن النداء للحسرة، والمراد منه تنبيه المخاطبين وهو قول الزجاج. والثاني: أن المنادى هو نفس الحسرة على معنى: أن هذا وقتك فاحضري وهو قول سيبويه وقوله * (على ما فرطنا فيها) * فيه بحثان. البحث الأول: قال أبو عبيدة يقال: فرطت في الشيء أي ضيعته فقوله * (فرطنا) * أي تركنا وضيعنا وقال الزجاج: فرطنا أي قدمنا العجز جعله من قولهم فرط فلان إذا سبق وتقدم، وفرط الشيء إذا قدمه. قال الواحدي: فالتفريط عنده تقديم التقصير. والبحث الثاني: أن الضمير في قوله * (فيها) * إلى ماذا يعود فيه وجوه: الأول: قال ابن عباس في الدنيا والسؤال عليه أنه لم يجر للدنيا ذكر فكيف يمكن عود هذا الضمير إليها. وجوابه: أن العقل دل على أن موضع التقصير ليس إلا الدنيا، فحسن عود الضمير إليها لهذا المعنى. الثاني: قال الحسن
(١٩٨)