* (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون) * ثم قال تعالى: * (وحسبوا أن لا تكونن فتنة) * في الآية مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرون * (أن لا تكون فتنة) * برفع نون (تكون) والباقون بالنصب، وذكر الواحدي لهذا تقريرا حسنا فقال: الأفعال على ثلاثة أضرب: فعل يدل علي ثبات الشيء واستقراره نحو: العلم والتيقن والتبين، فما كان مثل هذا يقع بعده (أن) الثقيلة ولم يقع بعده (أن) الخفيفة الناصبة للفعل، وذلك لأن الثقيلة تدل على ثبات الشيء، واستقراره، فإذا كان العلم يدل على الاستقرار والثبات و (إن) الثقيلة تفيد هذا المعنى حصلت بينهما موافقة ومجانسة، ومثاله من القرآن قوله تعالى: * (ويعلمون أن الله هو الحق المبين) * (النور: 25) * (ألم يعلموا أن لله هو يقبل التوبة عن عباده) * (التوبة: 104) * (ألم يعلم بأن الله يرى) * (العلق: 14) والباء زائدة. والضرب الثاني: فعل يدل على خلاف الثبات والاستقرار، نحو: أطمع وأخاف وأرجو، فهذا لا يستعمل فيه إلا الخفيفة الناصبة للفعل، قال تعالى: * (والذين أطمع أن يغفر لي خطيئتي) * (الشعراء: 82) * (تخافون أن يتخطفكم الناس) * (الأنفال: 26) * (فخشيا أن يرهقهما) * (الكهف: 80). والضرب الثالث: فعل يحذو مرة إلى هذا القبيل ومرة أخرى إلى ذلك القبيل نحو: حسب وأخواتها، فتارة تستعمل بمعنى أطمع وأرجو فيما لا يكون ثابتا ومستقرا، وتارة بمعنى العلم فيما يكون مستقرا. إذا عرفت هذا فنقول: يمكن إجراء الحسبان ههنا بحيث يفيد الثبات والاستقرار، لأن القوم كانوا جازمين بأنهم لا يقعون بسبب ذلك التكذيب والقتل في الفتنة والعذاب، ويمكن إجراؤه بحيث لا يفيد هذا الثبات من حيث إنهم كانوا يكذبون ويقتلون بسبب حفظ الجاه والتبع، فكانوا بقلوبهم عارفين بأن ذلك خطأ ومعصية، وإذا كان اللفظ محتملا لكل واحد من هذين المعنيين لا جرم ظهر الوجه صحة كل واحدة من هاتين القراءتين، فمن رفع قوله * (أن لا تكون) * كان المعنى: أنه لا تكون، ثم خففت المشددة وجعلت (لا) عوضا من حذف الضمير، فلو قلت: علمت أن يقول: بالرفع لم يحسن حتى تأتي بما يكون عوضا من حذف الضمير: نحو السين وسوف وقد، كقوله * (علم أن سيكونن) * (المزمل: 20) ووجه النصب ظاهر.
ثم قال الواحدي: وكلا الوجهين قد جاء به القرآن، فمثل قراءة من نصب وأوقع بعده الخفيفة