ثم قال تعالى: * (والله يحب المحسنين) * والمعنى أنه تعالى لما جعل الاحسان شرطا في نفي الجناح بين أن تأثير الإحسان ليس في نفي الجناح فقط، بل وفي أن يحبه الله، ولا شك أن هذه الدرجة أشرف الدرجات وأعلى المقامات، وقد تقدم تفسير محبة الله تعالى لعباده.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) * اعلم أن هذا نوع آخر من الأحكام، ووجه النظم أنه تعالى كما قال: * (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * (المائدة: 87) ثم استثنى الخمر والميسر عن ذلك، فكذلك استثنى هذا النوع من الصيد عن المحللات، وبين دخوله في المحرمات. وهاهنا مسائل: المسألة الأولى: اللام في قوله * (ليبلونكم الله) * لام القسم، لأن اللام والنون قد يكونان جوابا للقسم، وإذا ترك القسم جيء بهما دليلا على القسم. المسألة الثانية: الواو في قوله * (ليبلونكم) * مفتوحة لالتقاء الساكنين. المسألة الثالثة: ليبلونكم أي ليختبرن طاعتكم من معصيتكم أي ليعاملنكم معاملة المختبر. المسألة الرابعة: قال مقاتل بن حيان: ابتلاهم الله بالصيد وهم محرمون عام الحديبية حتى كانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم، فيقدرون على أخذها بالأيدي، وصيدها بالرماح، وما رأوا مثل ذلك قط، فنهاهم الله عنها ابتلاء. قال الواحدي: الذي تناله الأيدي من الصيد، الفراخ والبيض وصغار الوحش، والذي تناله الرماح الكبار، وقال بعضهم: هذا غير جائز، لأن الصيد اسم للمتوحش الممتنع دون ما لم يمتنع. المسألة الخامسة: معنى التقليل والتصغير في قوله * (بشيء من الصيد) * أن يعلم أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي كون التكليف فيها صعبا شاقا، كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال، وإنما هو ابتلاء سهل، فإن الله تعالى امتحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم بصيد البر كما امتحن بني إسرائيل بصيد البحر، وهو صيد السمك. المسألة السادسة: من في قوله * (من الصيد) * للتبعيض من وجهين: أحدهما: المراد صيد البر