عن المعصية. ثم قال تعالى: * (ولو أعجبك كثرة الخبيث) * يعني أن الذي يكون خبيثا في عالم الروحانيات، قد يكون طيبا في عالم الجسمانيات، ويكون كثير المقدار، وعظيم اللذة، إلا أنه مع كثرة مقداره ولذاذة متناولة وقرب وجدانه، سبب للحرمان من السعادات الباقية الأبدية السرمدية، التي إليها الإشارة بقوله * (والباقيات الصالحات خير عند ربك) * (الكهف: 46) وإذا كان الأمر كذلك فالخبيث ولو أعجبك كثرته، يمتنع أن يكون مساويا للطيب الذي هو المعرفة والمحبة والطاعة والابتهاج بالسعادات الروحانية والكرامات الربانية. ولما ذكر تعالى هذه الترغيبات الكثيرة في الطاعة، والتحذيرات من المعصية، أتبعها بوجه آخر يؤكدها، فقال تعالى: * (فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون) * أي فاتقوا الله بعد هذه البيانات الجلية، والتعريفات القوية، ولا تقدموا على مخالفته لعلكم تصيرون فائزين بالمطالب الدنيوية والدينية العاجلة والآجلة.
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * في الآية مسائل: المسألة الأولى: في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه: الأول: أنه تعالى لما قال: * (ما على الرسول إلا البلاغ) * (المائدة: 99) صار التقدير كأنه قال، ما بلغه الرسول إليكم فخذوه، وكونوا منقادين له، وما لم يبلغه الرسول إليك فلا تسألوا عنه، ولا تخوضوا فيه، فإنكم أن خضتم فيما لا تكليف فيه عليكم فربما جاءكم بسبب ذلك الخوض الفاسد من التكاليف ما يثقل عليكم ويشق عليكم. الثاني: أنه تعالى لما قال: * (ما على الرسول إلا البلاغ) * وهذا ادعاء منه للرسالة، ثم إن الكفار كانوا يطالبونه بعد ظهور المعجزات أخر على سبيل التعنت كما قال تعالى حاكيا عنهم * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * (الإسرار: 90) إلى قوله * (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) * (الإسرار: 93) والمعنى إني رسول أمرت بتبليغ الرسالة والشرائع والأحكام إليكم، والله تعالى قد أقام الدلالة على صحة دعواي في الرسالة بإظهار أنواع كثيرة من المعجزات، فبعد ذلك طلب الزيادة من باب التحكم