الإعانة، ولذلك قال تعالى في أول الآية * (إذ أيدتك بروح القدس) * (المائدة: 110) يعني أنك تدعي أنه يريبك ويخصك بأنواع الكرامة، فهل يقدر على إنزال مائدة من السماء عليك. والوجه السادس: أنه ليس المقصود من هذا السؤال كونهم شاكين فيه بل المقصود تقرير أن ذلك في غاية الظهور كمن يأخذ بيد ضعيف ويقول هل يقدر السلطان على إشباع هذا ويكون غرضه منه أن ذلك أمر جلي واضح، لا يجوز لعاقل أن يشك فيه، فكذا ههنا. المسألة الثالثة: قال الزجاج: المائدة فاعلة من ماد يميد، إذا تحرك فكأنها تميد بما عليها وقال ابن الأنباري سميت مائدة لأنها عطية من قول العرب: ماد فلان فلانا يميده ميدا إذا أحسن إليه، فالمائدة على هذا القول، فاعلة من الميد بمعنى معطية، وقال أبو عبيدة: المائدة فاعلة بمعنى مفعولة مثل عيشة راضية، وأصلها مميدة ميد بها صاحبها، أي أعطيها وتفضل عليه بها، والعرب تقول مادني فلان يميدني إذا أحسن إليه. ثم قال تعالى: * (قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) * وفيه وجهان: الأول: قال عيسى اتقوا الله في تعيين المعجزة، فإنه جار مجرى التعنت والتحكم، وهذا من العبد في حضرة الرب جرم عظيم، ولأنه أيضا اقتراح معجزة بعد تقدم معجزات كثيرة، وهو جرم عظيم. الثاني: أنه أمرهم بالتقوى لتصير التقوى سببا لحصول هذا المطلوب، كما قال: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) * (الطلاق: 2، 3) وقال: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) * (المائدة: 35) وقوله: * (إن كنتم مؤمنين) * يعني إن كنتم مؤمنين بكونه سبحانه وتعالى قادرا على إنزال المائدة فاتقوا الله لتصير تقواكم وسيلة إلى حصول هذا المطلوب. ثم قال تعالى:
* (قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين) * والمعنى كأنهم لما طلبوا ذلك قال عيسى لهم: إنه قد تقدمت المعجزات الكثيرة فاتقوا الله في طلب هذه المعجزة بعد تقدم تلك المعجزات القاهرة، فأجابوا وقالوا إنا لا نطلب هذه المائدة لمجرد أن