إذا نزل يحقق ذلك الخبر، حتى تزول عنه الشبهة. ثم المراد من هذ العذاب يحتمل أن يكون عذاب الدنيا، وهو الذي ظهر يوم بدر ويحتمل أن يكون عذاب الآخرة.
قوله تعالى * (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الارض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السمآء عليهم مدرارا وجعلنا الانهار تجرى من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا ءاخرين) * اعلم أن الله تعالى لما منعهم عن ذلك الإعراض والتكذيب والاستهزاء بالتهديد والوعيد أتبعه بما يجري مجرى الموعظة والنصيحة في هذا الباب فوعظهم بسائر القرون الماضية، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وغيرهم. فإن قيل: ما القرن؟ قلنا قال الواحدي: القرن القوم المقترنون في زمان من الدهر فالمدة التي يجتمع فيها قوم ثم يفترقون بالموت فهي قرن، لأن الذين يأتون بعدهم أقوام آخرون اقترنوا فهم قرن آخر، والدليل عليه قوله عليه السلام: " خير القرون قرني " واشتقاقه من الأقران، ولما كان أعمار الناس في الأكثر الستين والسبعين والثمانين لا جرم قال بعضهم: القرن هو الستون، وقال آخرون: هو السبعون، وقال قوم هو الثمانون والأقرب أنه غير مقدر بزمان معين لا يقع فيه زيادة ولا نقصان، بل المراد أهل كل عصر فإذا انقضى منهم الأكثر قيل قد انقضى القرن. واعلم أن الله تعالى وصف القرون الماضية بثلاثة أنواع من الصفات: الصفة الأولى: قوله * (مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) * قال صاحب " الكشاف " مكن له في الأرض جعل له مكانا ونحوه في أرض له ومنه قوله تعالى: * (إنا مكنا له في الأرض) * (الكهف: 84) * (أو لم نمكن لهم) * (القصص: 57) وأما مكنته في الأرض، فمعناه أثبته فيها ومنه قوله تعالى: * (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) * (الأحقاف: 26) ولتقارب المعنيين جمع الله بينهما في قوله * (مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) * والمعنى لم نعط أهل