قوله تعالى * (وما الحيوة الدنيآ إلا لعب ولهو وللدار الاخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) * في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن المنكرين للبعث والقيامة بعظم رغبتهم في الدنيا وتحصيل لذاتها، فذكر الله تعالى هذه الآية تنبيها على خساستها وركاكتها. واعلم أن نفس هذه الحياة لا يمكن ذمها لأن هذه الحياة العاجلة لا يصح اكتساب السعادات الأخروية إلا فيها، فلهذا السبب حصل في تفسير هذه الآية قولان: القول الأول: أن المراد منه حياة الكافر. قال ابن عباس: يريد حياة أهل الشرك والنفاق، والسبب في وصف حياة هؤلاء بهذه الصفة أن حياة المؤمن يحصل فيها أعمال صالحة فلا تكون لعبا ولهوا. والقول الثاني: أن هذا عام في حياة المؤمن والكافر، والمراد منه اللذات الحاصلة في هذه الحياة والطيبات المطلوبة في هذه الحياة، وإنما سماها باللعب واللهو، لأن الإنسان حال اشتغاله باللعب واللهو يلتذ به، ثم عند انقراضه وانقضائه لا يبقى منه إلا الندامة، فكذلك هذه الحياة لا يبقى عند انقراضها إلا الحسرة والندامة. واعلم أن تسمية هذه الحياة باللعب واللهو فيه وجوه: الأول: أن مدة اللهو واللعب قليلة سريعة الانقضاء والزوال، ومدة هذه الحياة كذلك. الثاني: أن اللعب واللهو لا بد وأن ينساقا في أكثر الأمر إلى شيء من المكاره ولذات الدنيا كذلك. الثالث: أن اللعب واللهو، إنما يحصل عند الاغترار بظواهر الأمور، وأما عند التأمل التام والكشف عن حقائق الأمور، لا يبقى اللعب واللهو أصلا، وكذلك اللهو واللعب، فإنهما لا يصلحان إلا للصبيان والجهال المغفلين، أما العقلاء والحصفاء، فقلما يحصل لهم خوض في اللعب واللهو، فكذلك الالتذاذ بطيبات الدنيا والانتفاع بخيراتها لا يحصل، إلا للمغفلين الجاهلين بحقائق الأمور، وأما الحكماء المحققون، فإنهم يعلمون أن كل هذه الخيرات غرور، وليس لها في نفس الأمر حقيقة معتبرة. الرابع: أن اللعب واللهو ليس لهما عاقبة محمودة، فثبت بمجموع هذه الوجوه أن اللذات والأحوال الدنيوية لعب ولهو
(٢٠٠)