قوله * (لا نؤمن) * على معنى: وما لنا نجمع بين التثليث وبين الطمع في صحبة الصالحين. المسألة الثانية: تقدير الآية: ويدخلنا ربنا مع القوم الصالحين جنته ودار رضوانه، قال تعالى: * (ليدخلنهم مدخلا يرضونه) * (الحج: 59) إلا أنه حسن الحذف لكونه معلوما. ثم قال تعالى:
* (فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك جزآء المحسنين * والذين كفروا وكذبوا باياتنآ أولئك أصحاب الجحيم) * وفي مسائل: المسألة الأولى: ظاهر الآية يدل على أنهم إنما استحقوا ذلك الثواب بمجرد القول لأنه تعالى قال: * (فأثابهم الله بما قالوا) * وذلك غير ممكن لأن مجرد القول لا يفيد الثواب. وأجابوا عنه من وجهين: الأول: أنه قد سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوا، وهو المعرفة، وذلك هو قوله * (مما عرفوا من الحق) * (المائدة: 83) فلما حصلت المعرفة والإخلاص وكمال الانقياد ثم انضاف إليه القول لا جرم كمل الإيمان. الثاني: روى عطاء عن ابن عباس أنه قال قوله * (بما قالوا) * يريد بما سألوا، يعني قولهم * (فاكتبنا مع الشاهدين) * (المائدة: 83). المسألة الثانية: الآية دالة على أن المؤمن الفاسق لا يبقى مخلدا في النار، وبيانه من وجهين: الأول: أنه تعالى قال: * (وذلك جزاء المحسنين) * وهذا الإحسان لا بد وأن يكون هو الذي تقدم ذكره من المعرفة وهو قوله * (مما عرفوا من الحق) * (المائدة: 83) ومن الاقرار به، وهو قوله * (فأثابهم الله بما قالوا) * وإذ كان كذلك، فهذه الآية دالة على أن هذه المعرفة، وهذا الاقرار يوجب أن يحصل له هذا الثواب، وصاحب الكبيرة له هذه المعرفة وهذا الاقرار، فوجب أن يحصل له هذا الثواب، فأما أن ينقل من الجنة إلى النار وهو باطل بالإجماع، أو يقال: يعاقب على ذنبه ثم ينقل إلى الجنة وذلك هو المطلوب. الثاني: هو أنه تعالى قال: * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) * فقوله * (أولئك أصحاب الجحيم) * يفيد الحصر، أي أولئك أصحاب الجحيم لا غيرهم، والمصاحب للشيء هو الملازم له الذي لا ينفك عنه، فهذا يقتضي تخصيص هذا الدوام بالكفار، فصارت هذه الآية من هذين الوجهين من أقوى الدلائل على أن الخلود في النار لا يحصل للمؤمن الفاسق.
قوله تعالى * (يا أيها الذين ءامنوا لا تحرموا طيبات مآ أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) *