فذكر الجناح ليمتحض هذا الكلام في الطير. والثالث: أنه تعالى قال في صفة الملائكة * (جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع) * (فاطر: 1) فذكر ههنا قوله * (ولا طائر يطير بجناحيه) * ليخرج عنه الملائكة فإنا بينا أن المقصود من هذا الكلام إنما يتم بذكر من كان أدون حالا من الإنسان لا بذكر من كان أعلى حالا منه. السؤال الرابع: كيف قال: * (إلا أمم) * مع إفراد الدابة والطائر؟ والجواب: لما كان قوله * (وما من دابة ولا طائر) * دالا على معنى الاستغراق ومغنيا عن أن يقول: وما من دواب ولا طيور لا جرم حمل قوله * (إلا أمم) * على المعنى. السؤال الخامس: قوله * (إلا أمم أمثالكم) * قال الفراء: يقال إن كل صنف من البهائم أمة وجاء في الحديث: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها " فجعل الكلاب أمة. إذا ثبت هذا فنقول: الآية دلت على أن هذه الدواب والطيور أمثالنا، وليس فيها ما يدل على أن هذه المماثلة حصلت في أي الأحوال والأمور فبينوا ذلك. والجواب: اختلف الناس في تعيين الأمر الذي حكم الله تعالى فيه بالمماثلة بين البشر وبين الدواب والطيور وذكروا فيه أقوالا: القول الأول: نقل الواحدي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يريد، يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني ويحمدونني. وإلى هذا القول ذهب طائفة عظيمة من المفسرين وقالوا: إن هذه الحيوانات تعرف الله وتحمده وتوحده وتسبحه واحتجوا عليه بقوله تعالى: * (وإن ممن شيء إلا يسبح بحمده) * (الإسراء: 44) وبقوله في صفة الحيوانات * (كل قد علم صلاته وتسبيحه) * (النور: 41) وبما أنه تعالى خاطب النمل وخاطب الهدهد، وقد استقصينا في تقرير هذا القول وتحقيقه في هذه الآيات. وعن أبي الدرداء أنه قال: أبهمت عقول البهائم عن كل شيء إلا عن أربعة أشياء: معرفة الإله، وطلب الرزق، ومعرفة الذكر والأنثى، وتهيوء كل واحد منهما لصاحبه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة يعج إلى الله يقول يا رب إن هذا قتلني عبثا لم ينتفع بي ولم يدعني آكل من خشاش الأرض ". والقول الثاني: المراد إلا أمم أمثالكم في كونها أمما وجماعات وكونها مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضا، ويأنس بعضها ببعض، ويتوالد بعضها من بعض كالإنس إلا أن للسائل أن يقول حمل
(٢١٣)