والبحث الثاني: أن هذا استفهام معناه الجحد والانكار. قال لفراء: ولم يقل آخر لأن الآلهة جمع والجمع يقع عليه التأنيث كما قال: * (والله الأسماء الحسنى) * (الأعراف: 180) وقال: * (فما بال القرون الأولى) * (طه: 51) ولم يقل الأول ولا الأولين وكل ذلك صواب. ثم قال تعالى: * (قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون) * واعلم أن هذا الكلام دال على إيجاب التوحيد والبراءة عن الشرك من ثلاثة أوجه: أولها: قوله * (قل لا أشهد) * أي لا أشهد بما تذكرونه من إثبات الشركاء. وثانيها: قوله * (قل إنما هو إله واحد) * وكلمة * (إنما) * تفيد الحصر، ولفظ الواحد صريح في التوحيد ونفي الشركاء. وثالثها: قوله * (إنني بريء مما تشركون) * وفيه تصريح بالبراءة عن إثبات الشركاء فثبت دلالة هذه الآية على إيجاب التوحيد بأعظم طرق البيان وأبلغ وجوه التأكيد. قال العلماء: المستحب لمن أسلم ابتداء أن يأتي بالشهادتين ويتبرأ من كل دين سوى دين الإسلام. ونص الشافعي رحمه الله على استحباب ضم التبري إلى الشهادة لقوله * (وإنني برئ مما تشركون) * عقيب التصريح بالتوحيد.
قوله تعالى * (الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) * اعلم أنا روينا في الآية الأولى أن الكفار سألوا اليهود والنصارى عن صفة محمد عليه الصلاة والسلام فأنكروا دلالة التوراة والإنجيل على نبوته، فبين الله تعالى في الآية الأولى أن شهادة الله على صحة نبوته كافية في ثبوتها وتحققها، ثم بين في هذه الآية أنهم كذبوا في قولهم أنا لا نعرف محمدا عليه الصلاة والسلام، لأنهم يعرفونه بالنبوة والرسالة كما يعرفون أبناءهم لما روي أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال عمر لعبد الله بن سلام: أنزل الله على نبيه هذه الآية فكيف هذه المعرفة، فقال يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما أعرف ابني ولأنا أشد معرفة بمحمد مني يا بني لأني لا أدري ما صنع النساء وأشهد أنه حق من الله تعالى. وأعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي أن يكون علمهم بنبوة محمد عليه السلام مثل علمهم بأبنائهم وفيه سؤال وهو أن يقال: المكتوب في التوراة والإنجيل مجرد أنه سيخرج نبي في آخر الزمان يدعو الخلق إلى الدين الحق، أو المكتوب فيه هذا المعنى مع تعين الزمان والمكان والنسب والصفة