السلام بهذا الكلام، يدل على أن نعم الله في حقه كانت عظيمة فحسن ذكره عند تعديد النعم للوجه الذي ذكرناه.
* (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن ءامنوا بى وبرسولى قالوا ءامنا واشهد بأننا مسلمون) * وثامنها: قوله تعالى: * (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي) * وقد تقدم تفسير الوحي. فمن قال إنهم كانوا أنبياء قال ذلك الوحي هو الوحي الذي يوحى إلى الأنبياء. ومن قال إنهم ما كانوا أنبياء قال المراد بذلك الوحي الإلهام والالقاء في القلب كما في قوله تعالى: * (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) * (القصص: 7) وقوله * (وأوحى ربك إلى النحل) * (النحل: 68) وإنما ذكر هذا في معرض تعديد النعم لأن صيرورة الإنسان مقبول القول عند الناس محبوبا في قلوبهم من أعظم نعم الله على الإنسان. وذكر تعالى أنه لما ألقى ذلك الوحي في قلوبهم، آمنوا وأسلموا وإنما قدم ذكر الإيمان على الإسلام، لأن الإيمان صفة القلب والإسلام عبارة عن الإنقياد والخضوع في الظاهر، يعني آمنوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم. فإن قيل: إنه تعالى قال في أول الآية * (أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك) * (المائدة: 110) ثم إن جميع ما ذكره تعالى من النعم مختص بعيسى عليه السلام، وليس لأمه بشيء منها تعلق. قلنا: كل ما حصل للولد من النعم الجليلة والدرجات العالية فهو حاصل على سبيل الضمن والتبع للأم. ولذلك قال تعالى: * (وجعلنا ابن مريم وأمه آية * ((المؤمنون: 50) فجعلهما معا آية واحدة لشدة اتصال كل واحد منهما بالآخر. وروي أنه تعالى لما قال لعيسى * (أذكر نعمتي عليك) * (المائدة: 110) كان يلبس الشعر ويأكل الشجر، ولا يدخر شيئا لغد ويقول مع كل يوم رزقه، ومن لم يكن له بيت فيخرب، ولا ولد فيموت، أينما أمسى بات.
قوله تعالى * (إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مآئدة من السمآء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) * فيه مسائل: المسألة الأولى: في قوله * (إذا قال) * وجهان: الأول: أوحيت إلى الحواريين إذ قال الحواريون الثاني: أذكر إذ قال الحواريون. المسألة الثانية: * (هل يستطيع ربك) * قرأ الكسائي * (هل تستطيع) * بالتاء * (ربك) * بالنصب