قوله تعالى * (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جآءك من نبإ المرسلين) * في الآية مسألتان: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى أزال الحزن عن قلب رسوله في الآية الأولى بأن بين أن تكذيبه يجري مجرى تكذيب الله تعالى فذكر في هذه الآية طريقا آخر في إزالة الحزن عن قلبه وذلك بأن بين أن سائر الأمم عاملوا أنبياءهم بمثل هذه المعاملة، وأن أولئك الأنبياء صبروا على تكذيبهم وإيذائهم حتى أتاهم النصر والفتح والظفر فأنت أولى بالتزام هذه الطريقة لأنك مبعوث إلى جميع العالمين، فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا. ثم أكد وقوى تعالى هذا الوعد بقوله ولا مبدل لكلمات الله يعني أن وعد الله إياك بالنصر حق وصدق، ولا يمكن تطرق الخلف والتبديل إليه ونظيره قوله تعالى) * (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) * (الصفات: 171) وقوله * (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) * (المجادلة: 21) وبالجملة فالخلف في كلام الله تعالى محال وقوله * (ولقد جاءك من نبأ المرسلين) * أي خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ودمرنا قومهم. قال الأخفش: * (من) * ههنا صلة، كما تقول أصابنا من مطر. وقال غيره: لا يجوز ذلك لأنها لا تزاد في الواجب، وإنما تزاد مع النفي كما تقول: ما أتاني من أحد، وهي ههنا للتبعيض، فإن الواصل إلى الرسول عليه السلام قصص بعض الأنبياء لا قصص كلهم كما قال تعالى: * (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) * (غافر: 78) وفاعل: (جاء) مضمر أضمر لدلالة المذكور عليه، وتقديره: ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين. المسألة الثاني: قوله تعالى: دولا مبدل لكلمات الله) * يدل على قولنا في خلق الأفعال لأن كل ما أخبر الله عن وقوعه، فذلك الخبر ممتنع التغير، وإذا امتنع تطرق التغير إلى ذلك الخبر امتنع تطرق التغير إلى المخبر عنه. فإذا أخبر الله عن بعضهم بأنه يموت على الكفر كان ترك الكفر منه محالا. فكان تكليفه بالإيمان تكليفا بما لا يطاق. ولله أعلم.
(٢٠٦)