على أن جواز الاستشهاد بهذين الآخرين مشروط بكون المستشهد في السفر، فلو كان هذان الشاهدان مسلمين، لما كان جواز الاستشهاد بهما مشروطا بالسفر، لان استشهاد المسلم جائز في السفر والحضر.
(الحجة الثالثة) الآية دالة على وجوب الحلف على هذين الشاهدين من بعد الصلاة، وأجمع المسلمون على أن الشاهد المسلم لا يجب عليه الحلف، فعلمنا أن هذين الشاهدين ليسا من المسلمين.
(الحجة الرابعة) ان سبب نزول هذه الآية ما ذكرناه من شهادة النصرانيين على بديل وكان مسلما.
(الحجة الخامسة) ما روينا ان أبا موسى الأشعري قضى بشهادة اليهوديين بعد أن حلفهما، وما أنكر عليه أحد من الصحابة، فكان ذلك اجماعا.
(الحجة السادسة) أنا إنما نجيز إشهاد الكافرين إذا لم نجد أحدا من المسلمين، والضرورات قد تبيح المحظورات، ألا ترى أنه تعالى أجاز التيمم والقصر في الصلاة, الأفكار في رمضان، وأكل الميتة في حال الضرورة، والضرورة حاصلة في هذه المسألة، لان المسلم إذا قرب أجله في الغربة ولم يجد مسلما يشهده على نفسه، ولم تكن شهادة الكفار مقبولة فإنه يضيع أكثر مهماته، فإنه ربما وجبت عليه زكوات وكفارات وما أداها. وربما كان عنده ودائع أو ديون كانت في ذمته، وكما تجوز شهادة النساء فيما يتعلق بأحوال النساء كالحيض والحبل والولادة والاستهلال لأجل أنه لا يمكن وقوف الرجال على هذه الأحوال، فاكتفينا فيها بشهادة النساء لأجل الضرورة، فكذا ههنا. وأما قول من يقول: بأن هذا الحكم صار منسوخا فبعيد، لاتفاق أكثر الأمة على أن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن، وليس فيها منسوخ، واحتج القائلون بالقول الثاني بقوله (وأشهدوا ذوي عدل منكم) والكافر لا يكون عدلا.
أجاب الأولون عنه: لم لا يجوز أن يكون المراد بالعدل من كان عدلا في الاحتراز عن الكذب، لا من كان عدلا في الدين والاعتقاد، والدليل عليه: أنا أجمعنا على قبول شهادة أهل الأهواء والبدع، مع أنهم ليسوا عدولا في مذاهبهم، ولكنهم لما كانوا عدولا في الاحتراز عن الكذب قبلنا شهادتهم، فكذا ههنا سلمنا أن الكافر ليس بعدل. إلا أن قوله (وأشهدوا ذوي عدل منكم) عام، وقوله في هذه الآية (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض) خاص فإنه أوجب شهادة العدل الذي يكون منا في الحضر، واكتفى بشهادة من لا يكون