والمطلب بن أبي رفاعة السهميان فحلفا بالله بعد العصر فدفع الرسول صلى الله عليه وسلم الإناء إليهما وإلى أولياء الميت. وكان تميم الداري يقول بعدما أسلم: صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء فأتوب إلى الله تعالى، وعن ابن عباس أنه بقيت تلك الواقعة مخفية إلى أن أسلم تميم الداري فلما أسلم أخبر بذلك وقال: حلفت كاذبا وأنا وصاحبي بعنا الإناء بألف وقسمنا الثمن. ثم دفع خمسمائة درهم من نفسه ونزع من صاحبه خمسمائة أخرى ودفع الألف إلى موالي الميت. المسألة الثانية: قوله * (فآخران يقومان مقامهما) * أي مقام الشاهدين اللذين هما من غير ملتهما وقوله * (من الذين استحق عليهم الأوليان) * المراد به موالي الميت، وقد أكثر الناس في أنه لم وصف موالي الميت بهذا الوصف، والأصح عندي فيه وجه واحد، وهو أنهم إنما وصفوا بذلك لأنه لما أخذ مالهم فقد استحق عليهم مالهم فإن من أخذ مال غيره فقد حاول أن يكون تعلقه بذلك المال مستعليا على تعلق مالكه به فصح أن يوصف المالك بأنه قد استحق عليه ذلك المال. المسألة الثالثة: أما قوله * (الأليان) * ففيه وجوه: الأول: أن يكون خبر المبتدأ محذوف والتقدير: هما الأليان وذلك لأنه لما قال * (فآخران يقومان مقامهما) * فكأنه قيل: ومن هما فقيل الأوليان: والثاني: أن يكون بدلا من الضمير الذي في يقومان والتقدير فيقوم الأوليان، والثالث: أجاز الأخفش أن يكون قوله * (الأوليان) * صفة لقوله * (فآخران) * وذلك لأن النكرة إذا تقدم ذكرها ثم أعيد عليها الذكر صارت معرفة، كقوله تعالى * (كمشكاة فيها مصباح) * (النور: 35) فمصباح نكرة قم قال * (المصباح) * ثم قال في * (زجاجة) * ثم قال * (الزجاجة) *، وهذا مثل قولك رأيت رجلا، ثم يقول إنسان من الرجل، فصار بالعود إلى ذكره معرفة. الرابع: يجوز أن يكون قوله * (الأوليان) * بدلا من قوله آخران، وإبدال المعرفة من النكرة كثير. المسألة الرابعة: إنما وصفهما بأنهما أوليان لوجهين: الأول: معنى الأوليان الأقربان إلى الميت. الثاني: يجوز أن يكون المعنى الأوليان باليمين، والسبب فيه أن الوصيين قد ادعيا أن الميت باع الإناء الفضة فانتقل اليمين إلى موالي الميت، لأن الوصيين قد ادعيا أن مورثهما باع الإناء وهما أنكرا ذلك، فكان اليمين حقا لهما، وهذا كما أن إنسانا أقر لآخر بدين ثم ادعى أنه قضاه حكم برد اليمين إلى الذي ادعى الدين أولا لأنه صار مدعى عليه أنه قد استوفاه. المسألة الخامسة: القراءة المشهورة للجمهور استحق بضم التاء وكسر الحاء، والأليان تثنية الأولى، وقد ذكرنا وجهه وقراءة حمزة وعاصم في رواية أبي بكر الأولين بالجمع، وهو نعت لجميع الورثة المذكورين في قوله * (من الذين استحق عليهم) * وتقديره من الأولين الذين استحق عليهم مالهم
(١٢٠)