(المسألة الأولى) في الآية حذف، والمراد أن يشهد ذوا عدل منكم، وتقدير الآية: شهادة ما بينكم عند الموت الموصوف، هي أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم، وإنما حسن هذا الحذف لكونه معلوما.
(المسألة الثانية) اختلف المفسرون في قوله منكم على قولين: الأول: وهو قول عامة المفسرين أن المراد: اثنان ذوا عدل منكم يا معشر المؤمنين، أي من أهل دينكم وملتكم، وقوله (أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض) يعنى أو شهادة آخرين من غير أهل دينكم وملتكم إذا كنتم في السفر، فالعدلان المسلمان صالحان للشهادة في الحضر والسفر، وهذا قول ابن عباس، وأبى موسي الأشعري، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وشريح ومجاهد وابن سيرين وابن جريج. قالوا: إذا كان الانسان في الغربة، ولم يجد مسلما يشهده على وصيته، جاز له أن يشهد اليهودي أو النصراني أو المجوسي أو عابد الوثن أو أي كافر كان وشهادتهم مقبولة، ولا يجوز شهادة الكافرين على المسلمين إلا في هذه الصورة قال الشعبي رحمه الله، مرض رجل من المسلمين في الغربة، فلم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة أتيا أبا موسى الأشعري، وكان واليا عليها فأخبراه بالواقعة وقدما تركته ووصيته. فقال أبو موسى: هذا أمركم يكن بعد الذي كان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم حلفهما في مسجد الكوفة بعد العصر، بالله انهما ما كذبا ولا بدلا وأجاز شهادتهما، ثم إن القائلين بهذا القول، منهم من قال هذا الحكم بقى محكما ومنهم من قال صار منسوخا.
(القول الثاني) وهو قول الحسن والزهري وجمهور الفقهاء: ان قوله (ذوا عدو منكم) أي من أقاربكم وقوله (أو آخران من غيركم) أي من الأجانب ان أنتم ضربتم في الأرض أي أن توقع الموت في السفر، ولم يكن معكم أحد من أقاربكم، فاستشهدوا أجنبيين على الوصية. وجعل الأقارب أولا لانهم أعلم بأحوال الميت وهم به به أشفق، وبورثته أرحم وأرأف، واحتج الذاهبون إلى القول الأول على صحة قولهم بوجوه.
(الحجة الأولى) انه تعالى قال في أول الآية (يا أيها الذين آمنوا) فعمهم بهذا الخطاب جميع المؤمنين، فلما قال بعده (أو آخران من غيركم) كان المراد أو آخران من جميع المؤمنين لا مجالة.
(الحجة الثانية) انه تعالى قال (أو آخران من غيركم ان أنتم ضربتم في الأرض) وهذا يدل