ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبل من أهل الكتاب الجزية ولم يقبل من العرب إلا الإسلام أو السيف، عير المنافقون المؤمنين بقبول الجزية من بعض الكفار دون البعض، فنزلت هذه الآية أي لا يضركم ملامة اللائمين إذا كنتم على الهدى، وثانيها: أن المؤمنين كان يشتد عليهم بقاء الكفار في كفرهم وضلالتهم. فقيل لهم: عليكم أنفسكم، وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طريق الهدى لا يضركم ضلال الضالين ولا جهل الجاهلين، وثالثها: أنهم كانوا يغتمون لعشائرهم لما ماتوا على الكفر فنهوا عن ذلك، والأقرب عندي أنه لما حكى عن بعضهم أنه إذا قيل لهم: * (تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) * (المائدة: 104) ذكر تعالى هذه الآية، والمقصود منها بيان أنه لا ينبغي للمؤمنين أن يتشبهوا بهم في هذه الطريقة الفاسدة، بل ينبغي أن يكونوا مصرين على دينهم، وأن يعلموا أنه لا يضرهم جهل أولئك الجاهلين إذا كانوا راسخين في دينهم ثابتين فيه. المسألة الرابعة: فإن قيل: ظاهر هذه الآية يوهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير واجب. قلنا الجواب عنه من وجوه: الأول: وهو الذي عليه أكثر الناس، إن الآية لا تدل على ذلك بل توجب أن المطيع لربه لا يكون مؤاخذا بذنوب العاصي، فأما وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فثابت بالدلائل، خطب الصديق رضي الله عنه فقال: إنكم تقرؤن هذه الآية * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) * وتضعونها غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب ". والوجه الثاني في تأول الآية: ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما قالا قوله * (عليكم أنفسكم) * يكون هذا في آخر الزمان: قال ابن مسعود لما قرئت عليه هذه الآية ليس هذا بزمانها، ما دامت قلوبكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا ووكل كل امرئ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية، وهذا القول عندي ضعيف، لأن قوله * (يا أيها الذين آمنوا) * خطاب عام، وهو أيضا خطاب مع الحاضرين فكيف يخرج الحاضر ويخص الغائب. والوجه الثالث في تأويل الآية: مال ذهب إليه عبد الله بن المبارك قال: هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه قال: * (عليكم أنفسكم) * يعني عليكم أهل دينكم ولا يشركم من ضل من الكفار، وهذا كقوله * (فاقتلوا أنفسكم) * (البقرة: 54) يعني أهل دينكم فقوله
(١١٢)