منا في السفر، فهذه الآية خاصة، والآية التي ذكرتموها عامة، والخاص مقدم على العام، لا سيما إذا كان الخاص متأخرا في النزول، ولا شك أن سورة المائدة متأخرة فكان تقديم هذه الآية الخاصة على الآية العامة التي ذكرتموها واجبا بالاتفاق والله أعلم.
ثم قال تعالى (أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) قوله (أو آخران) عطف على قوله (اثنان) والتقدير: شهادة بينكم أن يشهد اثنان منكم أو آخران من غيركم.
(المسألة الثانية) قوله (إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة المقصود منه بيان أن جواز الاستشهاد بآخرين من غيرهم مشروط بما إذا كان المستشهد مسافرا ضاربا في الأرض وحضرت علامات نزول الموت به.
ثم قال تعالى (تحبسونهما من بعد الصلاة) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) تحبسونهما، أي توقفونهما كما يقول الرجل: مربى فلان على فرس فحبس على دابته أي أو قفها وحبست الرجل في الطريق أكلمه أي أوقفته.
فان قيل: ما موقع تحبسونهما.
قلنا: هو استئناف كأنه قيل كيف نعمل ان حصلت الريبة فيهما تحبسونهما.
(المسألة الثانية) قوله (من بعد الصلاة) فيه أقوال: الأول: قال ابن عباس من بعد صلاة أهل دينهما، والثاني: قال عامة المفسرين من بعد صلاة العصر.
فان قيل: كيف عرف ان المراد هو صلاة العصر، مع أن المذكور وهو الصلاة المطلقة.
قلنا: إنما عرف هذا التعيين وجوه: أحدها: ان هذا الوقت كان معروفا عندهم بالتحليف بعدها فالتقييد بالمعروف المشهور أغنى عن التقييد باللفظ، وثانيها: ما روى أنه لما نزلت هذه الآية صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ودعا بعدي وتميم، فاستحلفهما عند المنبر، فصار فعل الرسول دليلا على التقييد، وثالثها: أن جميع أهل الأديان يعظمون هذا الوقت ويذكرون الله فيه ويحترزون عن الحلف الكاذب، وأهل الكتاب يصلون لطلوع الشمس وغروبها.
(والقول الثالث) قال الحسن: المراد بعد الظهر أو بعد الظهر أو بعد العصر، لان أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما.
(والقول الرابع) أن المراد بعد أداء الصلاة أي صلاة كانت والغرض من التحليف بعد