طبا، فلما عبدوا العجل كانوا قد أضروا بأنفسهم لأن ما يؤدي إلى ضرر الأبد من أعظم الظلم، ولذلك قال تعالى: * (إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 13) لكن هذا الظلم من حقه أن يقيد لئلا يوهم إطلاقه إنه ظلم الغير لأن الأصل في الظلم ما يتعدى، فلذلك قال: * (إنكم ظلمتم أنفسكم) *.
أما قوله تعالى: * (باتخاذكم العجل) * ففيه حذف لأنهم لم يظلموا أنفسهم بهذا القدر لأنهم لو اتخذوه ولم يجعلوه إلها لم يكن فعلهم ظلما، فالمراد باتخاذكم العجل إلها، لكن لما دلت مقدمة الآية على هذا المحذوف حسن الحذف.
أما قوله تعالى: * (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) * ففيه سؤالات.
السؤال الأول: قوله تعالى: * (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) * يقتضي كون التوبة مفسرة بقتل النفس كما أن قوله عليه السلام: " لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ثم يديه "، يقتضي أن وضع الطهور مواضعه مفسر بغسل الوجه واليدين ولكن ذلك باطل لأن التوبة عبارة عن الندم على الفعل القبيح الذي مضى والعزم على أن لا يأتي بمثله بعد ذلك وذلك مغاير لقتل النفس وغير مستلزم له فكيف يجوز تفسيره به؟ والجواب ليس المراد تفسير التوبة بقتل النفس بل بيان أن توبتهم لا تتم ولا تحصل إلا بقتل النفس وإنما كان كذلك لأن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن شرط توبتهم قتل النفس كما أن القاتل عمدا لا تتم توبته إلا بتسليم النفس حتى يرضى أولياء المقتول أو يقتلوه فلا يمتنع أن يكون من شرع موسى عليه السلام أن توبة المرتد لا تتم إلا بالقتل. إذا ثبت هذا فنقول شرط الشيء قد يطلق عليه اسم ذلك الشيء مجازا كما يقال للغاصب إذا قصد التوبة أن توبتك ردما غصبت يعني أن توبتك لا تتم إلا به فكذا ههنا.
السؤال الثاني: ما معنى قوله تعالى: * (فتوبوا إلى بارئكم) * والتوبة لا تكون إلا للبارئ، والجواب: المراد منه النهي عن الرياء في التوبة كأنه قال لهم: لو أظهرتم التوبة لا عن القلب فأنتم ما تبتم إلى الله الذي هو مطلع على ضميركم، وإنما تبتم إلى الناس وذلك مما لا فائدة فيه، فإنكم إذا أذنبتم إلى الله.
السؤال الثالث: كيف اختص هذا الموضع بذكر البارئ؟ والجواب: البارئ هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت: * (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) * (الملك: 3) ومتميزا بعضه عن بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة فكان ذلك تنبيها على أن من كان كذلك فهو أحق بالعبادة من البقر الذي يضرب به المثل في الغباوة.
السؤال الرابع: ما الفرق بين الفاء في قوله: * (فتوبوا) * والفاء في قوله: * (فاقتلوا) *؟ الجواب: أن الفاء الأولى للسبب لأن الظلم سبب التوبة والثانية للتعقيب لأن القتل من تمام التوبة فمعنى قوله: * (فتوبوا) * أي فأتبعوا التوبة القتل تتمة لتوبتكم. السؤال الخامس: ما المراد بقوله: * (فاقتلوا أنفسكم) * أهو ما يقتضيه ظاهره من أن يقتل كل