النعيم وهذا ضعيف لأن قوله: * (لا يحزنهم الفزع الأكبر) * أخص من قوله: * (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) * والخاص مقدم على العام. وقال ابن زيد: لا خوف عليهم أمامهم فليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت، فأمنهم الله تعالى منه. ثم سلاهم عن الدنيا فقال: * (ولا هم يحزنون) * على ما خلفوه بعد وفاتهم في الدنيا فإن قيل قوله: * (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * يقتضي نفي الخوف والحزن مطلقا في الدنيا والآخرة وليس الأمر كذلك لأنهما حصلا في الدنيا للمؤمنين أكثر من حصولهما لغير المؤمنين، قال عليه الصلاة والسلام: " خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل "، وأيضا فالمؤمن لا يمكنه القطع أنه أتى بالعبادات كما ينبغي فخوف التقصير حاصل وأيضا فخوف سوء العاقبة حاصل، قلنا قرائن الكلام تدل على أن المراد نفيهما في الآخرة لا في الدنيا. ولذلك حكى الله عنهم أنهم قالوا حين دخلوا الجنة: * (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور) * (فاطر: 43) أي أذهب عنا ما كنا فيه من الخوف والإشفاق في الدنيا من أن تفوتنا كرامة الله تعالى التي نلناها الآن.
المسألة الخامسة: قال القاضي: قوله تعالى: * (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * يدل على أمور. أحدها: أن الهدى قد يثبت ولا اهتداء فلذلك قال: * (فمن تبع هداي) *. وثانيها: بطلان القول بأن المعارف ضرورية، وثالثها: أن باتباع الهدى تستحق الجنة، ورابعها: إبطال التقليد لأن المقلد لا يكون متبعا للهدى.
* (والذين كفروا وكذبوا بآياتنآ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * قوله تبارك وتعالى: * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * لما وعد الله متبع الهدى بالأمن من العذاب والحزن عقبه بذكر من أعد له العذاب الدائم فقال: * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) * سواء كانوا من الإنس أو من الجن فهم أصحاب العذاب الدائم.
وأما الكلام في أن العذاب هل يحسن أم لا وبتقدير حسنه فهل يحسن دائما أم لا؟ فقد تقدم الكلام فيه في تفسير قوله: * (وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) * (البقرة: 7) وههنا آخر الآيات الدالة على النعم التي أنعم الله بها على جميع بني آدم وهي دالة على التوحيد من حيث إن هذه النعم أمور حادثة فلا بد لها من محدث وعلى النبوة من حيث إن محمدا صلى الله عليه وسلم أخبر عنها موافقا لما كان موجودا في التوراة والإنجيل من غير تعلم ولا تلمذة لأحد قدر وعلى المعاد من حيث إن من قدر على خلق هذه الأشياء ابتداء على خلقها إعادة وبالله التوفيق.