فعلى هذا ليس انتخاب الأصلح من الناس أو إصلاح الناس عن طريق الطوفان هو آخر الانتخاب وآخر الإصلاح، بل ستبلغ مرحلة جديدة من بني آدم أيضا يصلون بها الذروة من الرشد والتكامل، ولكن الناس قد يسيئون الاستفادة من حرية الإرادة ويستخدمونها في طريق الشر والفساد، فينالون جزاءهم في هذه الدنيا كما ينالون العذاب في الأخرى.
الطريف في الآية أنها تقول سنمتعهم ثم تتحدث عن العذاب مباشرة. وفي ذلك إشارة إلى أن الاستمتاع ينبغي أن يكون مدعاة للشكر والثناء على نعم الله وطاعته، ولكن غالبا ما يزيد المتنعمين طغيانا وكفرا ويقطعون العلاقة بينهم وبين الله.
وينقل العلامة الطبرسي في مجمع البيان في ذيل الآية أن بعض المفسرين يقول في قوله: " نمتعهم " الخ: هلك المستمتعون في الدنيا لأن الجهل يغلب عليهم والغفلة فلا يتفكرون إلا في الدنيا وعمارتها وملذاتها.
هذا الواقع يرى جيدا في الدول المتنعمة والمتمولة في هذا العالم، حيث يغوص أهلوها بالفساد فلا يفكرون في المستضعفين - فحسب -، بل نراهم يوما بعد آخر يحاولون الكيد بهم وإراقة دمائهم أكثر فأكثر، لذلك كثيرا ما يتفق أن ينزل الله عليهم الحروب والحوادث الأليمة التي تسلب النعم مؤقتا لعلهم يفيقون من غفلتهم.
وفي آخر آية تختم بها قصة نوح - في هذه السورة - إشارة كلية عامة إلى ما حدث في عهد نوح فتقول: تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.
فالخطاب هنا للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد عليه أن يصبر ويستقيم كما صبر واستقام نوح (عليه السلام) عندما واجه المشاكل، وهكذا تكون عاقبة الصبر النصر فاصبر إن العاقبة للمتقين.