هذا إضافة إلى أن الجزاء إذا ما تم بهذه السرعة فإنه يعني زوال حالة الاختبار التي هي أساس التكليف تقريبا، وستتصف طاعة المطيعين بالجبر والاضطرار، لأنهم بمجرد أن يعصوا فسيلاقون جزاءهم الأليم فورا.
واحتمل أيضا في تفسير هذه الآية أن جماعة من الكفار العنودين، الذين تحدث القرآن عنهم مرارا، كانوا يقولون للأنبياء: إذا كان ما تقولونه حقا، فادعوا الله أن ينزل علينا البلاء، فإذا استجاب الله تعالى دعوة هؤلاء ما كان ليبقى من هؤلاء أحد.
لكن يبدو أن التفسير الأول هو الأقرب.
وفي الختام تقول الآية: يكفي عقابا لهؤلاء أن نتركهم وشأنهم ليبقوا في حيرتهم، فلا هم يميزون الحق من الباطل، ولا هم يجدون سبيل النجاة من متاهاتهم: فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون.
عند ذلك تشير الآية إلى وجود نور التوحيد في فطرة الانسان وأعماق روحه وتقول: وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما.
نعم... إن خاصية المشاكل والشدائد الخطيرة، أنها تزيل الحجب عن فطرة الإنسان الطاهرة، وتحرق في فرن الحوادث كل الطبقات السوداء التي غطت هذه الفطرة، ويسطع عندها - ولو لمدة قصيرة - نور التوحيد.
ثم تقول الآية: إن هؤلاء الأفراد إلى درجة من الجهل وضيق الأفق بحيث أنهم يعرضون بمجرد كشف الضر عنهم، حتى كأنهم لم يدعونا ولم نساعدهم: فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون.
أما من الذي يزين لهم أعمالهم؟ فقد بحثنا ذلك في ذيل الآية (122) من سورة الأنعام، ومجمل الكلام هو:
إن الله سبحانه هو الذي يزين الأعمال، وذلك بجعل هذه الخاصية في الأعمال