جاء نظيره في بداية سورة البقرة، يعتبر من التعبيرات الجميلة واللطيفة في القرآن، وهو كناية عن عظمة ورفعة مفاهيم القرآن، لأن المطالب اليسيرة والبسيطة يشار لها غالبا باسم الإشارة القريب، أما المطالب المهمة العالية المستوى، والتي تعانق السحاب في علو أفقها، فإنها تبين باسم الإشارة البعيد.
إن توصيف الكتاب السماوي - أي القرآن - بأنه (حكيم) هو إشارة إلى أن آيات القرآن محكمة ومنظمة ودقيقة، بحيث لا يمكن أن يأتيها أو يخالطها أي شكل من أشكال الباطل والخرافة، فهي لا تقول إلا الحق، ولا تدعو إلا إلى طريق الحق.
أما الآية الثانية فإنها تبين - ولمناسبة تلك الإشارة التي مرت إلى القرآن والوحي الإلهي في الآية السابقة - واحدا من إشكالات المشركين على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو نفس الإشكال الذي جاء في القرآن بصورة متكررة. وهذا التكرار يبين أن هذا الإشكال من إشكالات المشركين المتكررة، وهو: لماذا نزل الوحي الإلهي من الله على إنسان مثلهم؟ ولماذا لم تتعهد الملائكة بمسؤولية هذه الرسالة الكبيرة؟ فيجيب القرآن عن هذه الأسئلة فيقول: أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم.
الواقع أن كلمة " منهم " تضمنت الجواب على سؤالهم، أي إن القائد والمرشد إذا كان من جنس أتباعه، ويعلم أمراضهم، ومطلع على احتياجاتهم، فلا مجال للتعجب، بل العجب أن يكون القائد من غير جنسهم، بحيث يعجز عن قيادتهم نتيجة عدم اطلاعه على وضعهم.
ثم تشير إلى محتوى الوحي الإلهي. وتلخصه في أمرين:
الأول: إن الوحي الذي أرسلناه، مهمته إنذار الناس وتحذيرهم من عواقب الكفر والمعاصي: أن أنذر الناس.
والثاني: هو وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم.
وفي الوقت الذي يوجد بحث بين المفسرين في المقصود من " قدم الصدق "، إلا