المعنى:
معنى قوله: " كان الناس أمة واحدة " أهل ملة واحدة كما قال النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع (1) أي ذو ملة ودين. وأصل الأمة الام من قولك: أم يؤم أما: إذا قصده.
وهي على أربعة أوجه:
فالأمة: الملة، والأمة: الجماعة، والأمة: المنفرد بالمقابلة، والأمة: القابلة.
واختلفوا في الدين الذي كانوا عليه، فقال ابن عباس، والحسن، واختاره الجبائي: إنهم كانوا على الكفر. وقال قتادة، والضحاك: كانوا على الحق، فاختلفوا.
فان قيل: إذا كان الزمان لا يخلوا من حجة كيف يجوز أن يجتمعوا كلهم على الكفر، قلنا: يجوز أن يقال ذلك على التغليب لان الحجة إذا كان واحدا أو جماعة يسيرة، لا يظهرون خوفا وتقية، فيكون ظاهر الناس كلهم الكفر بالله، فلذلك جاز الاخبار به على الغالب من الحال، ولا يعتد بالعدة القليلة.
وقوله: " وأنزل معهم الكتاب بالحق " قيل في معناه قولان:
أحدهما - بما فيه من البيان عن الحق من الباطل. الثاني - أن معناه: بأنه حق للاستصلاح به على ما توجبه الحكمة فيه.
وقوله: " ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " فحقيقته، ليحكم منزل الكتاب، لان الله هو الحاكم بما أنزل فيه، فهو مجاز - في قول الجبائي - قال: إلا أنه جعل اللفظ على الكتاب تفخيما له، لما فيه من البيان. ويجوز أن يكون في يحكم ضمير اسم الله، فيكون حقيقة. ومن ضم الياء قراءته لا شبهة فيها. والمعنى ليحكم الناس أو العلماء بما فيه من الحق.
وقوله تعالى: " وما اختلف فيه " الهاء عائدة على الحق. وقيل على الكتاب.
والأول أصح، لان اختلافهم في الحق قبل إنزال الكتاب. فان قيل: إذا كانوا مختلفين على إصابة بعضهم له، فكيف يكون الكفر عمهم به؟ قلنا: لا يمتنع