الحارث بن حلزة:
آذنتنا ببينها أسماء (1) أي أعلمتنا. وهو قول الزجاج، وغيره من أهل اللغة. فان قيل: إذا كانوا إنما هدوا للحق من الاختلاف فلم قيل: للاختلاف من الحق؟ قيل: لأنه لما كانت العناية بذكر الاختلاف، كان أولى بالتقديم، ثم تفسيره ب (من). وقال الفراء هو من المقلوب نحو قول الشاعر:
كانت فريضة ما تقول كما * كان الزناء فريضة الرجم (2) وإنما الرجم فريضة الزنا. وكما قال الآخر:
إن سراجا لكريم مفخرة * تحلى به العين إذا ما تجره (3) وإنما يحلى هو بالعين. قال غيره إنما يجوز القلب في الشعر للضرورة. ووجه الكلام على ما بيناه واضح. فان قيل: ما الهدى الذي اختص به من يشاء؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: قال الجبائي: اختص به المكلفين دون غيرهم ممن لا يحتمل التكليف، وهو البيان، والدلالة والثاني - قال: ويجوز أن يكون هداهم على طريق الجنة، ويكون للمؤمنين خاصة. وقال ابن الاخشاد، والبلخي: يجوزان يكون هداهم باللطف، فيكون خاصا لمن علم من حاله أنه يصلح به. ولا يجوز أن يكون المراد بالهداية هاهنا الارشاد إلى الدين، ونصب الدلالة عليه، لأنه تعالى لا يخص بذلك قوما دون قوم، بل لا يصلح التكليف من دونه. وقد بين الله تعالى: أن اختلافهم كان بعد أن جاءتهم البينات فعم بذلك جميعهم، فلو أراد الله بقوله " فهدى الله الذين آمنوا " بالبينات، لكان متناقضا - اللهم - إلا أن يحمل ذلك على أنه أضاف إليهم الهداية، من حيث كانوا هم المنتفعين بها، والمتبعين لها، فكأنهم كانوا هم المخصوصين بها كما قال: " هدى للمتقين " (4) وقوله تعالى: " إنما تنذر من اتبع الذكر " (5)