فحذفت احدى التائين، لاجتماع المثلين. والمحذوفة الثانية، لان الأولى علامة الاستقبال، وهو مجزوم بالنهي وعلامة الجزم سقوط النون. وقال ابن مسعود وقتادة: معناه ولا تفرقوا عن دين الله الذي أمر فيه بلزوم الجماعة والائتلاف على الطاعة. وقال الحسن: معناه ولا تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله. وقوله: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء) معناه ما كان بين الأوس والخزرج من الحروب التي تطاولت مئة وعشرين سنة إلى أن ألف بين قلوبهم بالاسلام، وزالت تلك الأحقاد، هذا قول ابن إسحاق. وقال الحسن: هو ما كان من مشركي العرب من الطوائل.
وقوله: (وكنتم على شفا حفرة من النار) معنى الشفا الحرف، لان شفا الشئ حرفه، ويثنى شفوان، لأنه من الواو، وجمعه اشفاء. ولا يجوز فيه الإمالة. وإنما قال: " فأنقذكم منها " وإن لم يكونوا فيها، لأنهم كانوا بمنزلة من هو فيها من حيث كانوا مستحقين لدخولها. وإنما أنقذهم النبي صلى الله عليه وآله بدعائهم إلى الاسلام، ودخولهم فيه، فصاروا بمنزلة الخارج منها.
وأصل الأخ أن الأخ مقصده مقصد أخيه، وكذلك في الصداقة أن تكون إرادة كل واحد منهما موافقة الاخر يقولون: يتوخى فلان شأن فلان أي يقصده في سيره، ويقولون: خذ على هذا الوخي أي على هذا القصد. وقوله: (كذلك يبين الله لكم آياته) الكاف في موضع نصب، والمعنى مثل البيان الذي تلي عليكم " يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " معناه لتهتدوا وتكونوا على رجاء هداية.
والهاء في قوله فأنقذكم منها كناية عن الحفرة فترك شفا، وردت الكناية على الحفرة. ومثل ذلك قول العجاج.
طول الليالي أسرعت في نقضي * طوين طولي وطوين عرضي فترك الطول وأخبر عن الليالي. فان قالوا إذا كان الله هو الذي ألف بين قلوبهم وأنقذهم من النار، فقد صح أن أفعال الخلق فعل له وخلق من خلقه؟
قيل: لا يجب ذلك، لأنا نقول أن النبي صلى الله عليه وآله ألف بين قلوب العرب وأنقذهم من