على خلاف مجرى العادة، فسأل ذلك. وزكريا (ع) وإن كان عالما بأنه تعالى يقدر على خلق الولد من العاقر، وإن لم تجربه العادة، فإنه كان يجوز ألا يفعل ذلك لبعض التدبير، فلما رأى خرق العادة بخلق الفاكهة في غير وقتها قوي ظنه أنه يفعل ذلك:
إذا اقتضت المصلحة، وقوي في نفسه ما كان علمه، كما أن إبراهيم وإن كان عالما بأنه (تعالى) يقدر على إحياء الميت سأل ذلك مشاهدة لتأكد معرفته ونزول عنه خواطره. وقال الجبائي: إن الله تعالى كان أذن له في المسألة وجعل وقته الذي أذن له فيه الوقت الذي رأى فيه المعجزة الظاهرة فلذلك دعا.
وقوله. (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) فالهبة تمليك الشئ من غير ثمن تقول: وهب يهب، فهو واهب والشئ موهوب، وتواهبوا الامر بينهم تواهبا، واستوهبه استيهابا. وقوله من لدنك معناه من عندك وإنما بني ولم يبن عند، لأنه استبهم استبهام الحروف، لأنه لا يقع في جواب أين كما يقع عند نحو قوله أين زيد فتقول عندك، ولا تقول لدنك. " ذرية " تقع على الجمع، والواحد. وقيل أن المراد ههنا واحد لقوله " فهب لي من لدنك وليا " (1) وأما بمعنى الجمع، فمثل قوله: " ذرية من حملنا من نوح " (2) وقوله: " طيبة " قال السدي معناه مباركة. وإنما انث طيبة، وهو سأل ولدا ذكرا على تأنيث الذرية كما قال الشاعر:
أبوك خليفة ولدته أخرى * وأنت خليفة ذاك بالكمال (3) وقال آخر:
فما نزدري من حية جبلية * سكات إذا ما عاض ليس بأدردا (4) فجمع التأنيث، والتذكير في بيت واحد مرة على اللفظ، ومرة على المعنى.