ولم يقبلوا منه لعلمه بما يصيرون إليه من العقاب فسلاه الله بهذا القول. وإنه لا ينبغي ترك مواساة ذوي القربى من أهل الشرك ليدخلوا في الاسلام فيكون ذلك مبيحا للصدقة المندوبة عليهم. وقال ابن عباس، وابن الحنفية، وسعيد بن جبير:
نزلت هذه الآية لأنهم كانوا يتقون الصدقة على المشركين حتى نزلت " ليس عليك هداهم " وقوله: " ولكن الله يهدي من يشاء " إنما علق الهداية بالمشيئة لمن كان في المعلوم أنه يصلح باللطف وليس كل أحد يصلح به فلذلك جاء الاختصاص بالمشيئة. وقال أبو علي الجبائي: الهداية في الآية هو إلى طريق الجنة وذلك يختص بالمؤمنين المستحقين للثواب والأول اختيار البلخي وابن الاخشاد والزجاج وأكثر أهل العلم.
وقوله: (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) ؟ فلهذا يجب ألا تمنوا بالصدقة والانفاق: إذ كان لأنفسكم من حيث هو ذخر لكم ولابتغاء وجه الله الذي هو يوفر به الجزاء لكم فهو من كل وجه عائد عليكم وليس كتمليك الله لعباده إذ نفعه راجع عليهم كيف تصرفت الحال بهم، فلذلك افترق ذكر العطية منه (تعالى)، والعطية من غيره. ومعنى قوله " إلا ابتغاء وجه الله " إلا ابتغاء رضوان الله. واستدل بذلك على حسن باطن المعنيين بالآية.
وانهم كانوا ينفقونه لوجه الله خالصا. وقيل معناه وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، فكيف يضيع سعيكم وإنفاقكم. وقيل في ذكر الوجه قولان:
أحدهما - لتحقيق الإضافة إليه، لان ذكره يزيل الابهام انه له أو لغيره، لأنك إذا اختصصت ذكر الوجه ومعناه التبيين، دل على أنك أردت الاختصاص وإزالة الابهام، ورفع الاشتراك وحققت الإضافة.
والثاني - لأشرف الذكرين في الصفة لأنه إذا قلت: فعلته لوجه زيد فهو أشرف في الذكر من فعلته (لزيد). لان وجه الشئ في الأصل أشرف ما فيه ثم كثر حتى صار يدل على شرف الذكر في الصفة فقط من غير تحقيق وجه ألا ترى أنك تقول:
وجه هذا الامر كذا وهذا أوجه الرأي وهذا أوجه الدليل فلا تريد تحقيق الوجه