ويحتمل فضلناهم بأعمالهم التي استحقوا بها الفضيلة على غيرهم. والفرق بين الابتداء بالفضيلة وبين المحاباة ان المحاباة اختصاص البعض بالنفع على ما توجبه الشهوة دون الحكمة، وليس كذلك الابتداء بالفضيلة، لأنه قد يكون للمصلحة التي لولاها لفسد التدبير وأدى إلى حرمان الثواب للجميع. فمن حسن النظر لهذا الانسان تفضيل غيره عليه إذا كان في ذلك مصلحة له فهذا وجه تدعو إليه الحكمة وليس كالوجه الأول الذي إنما تدعوا إليه الشهوة.
وقوله: " وأيدناه بروح القدس " معناه قويناه. والروح: جبريل. والقدس الله - على قول الحسن - وقال ابن عباس: روح القدس: الاسم الذي كان يحيي به الموتى. والضمير في قوله: " من بعدهم " عائد على الرسل. وقال قتادة، والربيع:
على عيسى وموسى (ع). وجاز بلفظ الجميع، لان ذكرهم قد يغني عن ذكر المتبعين لهم. كما يقال: خرج الأمير فانكوا في العدو نكاية عظيمة.
وقوله: " ولو شاء الله ما اقتتلوا " إخبار عن قدرته على إلجائهم على الامتناع من الاقتتال، أو أبان يمنعهم من ذاك. هذا قول الحسن وغيره. وجملته انه أخبر انه قادر على أن يحول بينهم، وبين الاقتتال بالالجاء والاضطرار. ومثله " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " " ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم جميعا " فان جميع ذلك دلالة على قدرته عليهم. ولا يدل قوله " ولو شاء الله ما اقتتلوا " على أنه قد شاء اقتتالهم، لأنه إذا احتمل الكلام وجهين: أحدهما - يجوز عليه والاخر لا يجوز عليه، وجب حمله على ما يجوز عليه، دون ما لا يجوز عليه، فلذلك كان تقدير الكلام ولو شاء الله امتناعهم بالالجاء ما اقتتلوا. ونظيره قول القائل ولو شاء السلطان الأعظم، لم يشرب النصارى الخمر في سلطانه ولا نكحت المجوس الأمهات والبنات وليس في ذلك دليل على أنه قد شاءه وإنما كرر قوله: " ولو شاء الله ما اقتتلوا " لاختلاف المعنى: فمعنى الأول لو شاء الله ما اقتتلوا قتالهم، ويجوز أن يكون لتأكيد البينة على هذا المعنى. وقال قوم: الأول معناه لو شاء الله ما اقتل