بطلان قول من قال: إن في المقدور لطفا، لو فعل الله بالكافر لآمن لا محالة، من قبل أنه قيل في قوله (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) قولان:
أحدهما - أن المعاند لا ينفعه الدلالة لأنه عارف والآخر أنه لألطف لهم فتلتمسه ليؤمنوا، وعلى القولين فيه دلالة على فساد قول أصحاب اللطف، لان مخرجه مخرج التنصل من التخليف عنهم ما يؤمنون عنده طوعا، فلو قال قائل: وما في أن الآية لا ينفعهم في الايمان لطف ينفعهم فيه لكان لا يسقط سؤاله. إلا بأن يقال: لا لطف لهم كما لا آية تنفعهم. وقوله: (ولئن اتبعت أهواءهم) قيل في معناه ثلاثة أقوال:
أحدهما - (لئن اتبعت أهواءهم) في المداراة لهم حرصا على أن يؤمنوا (إنك إذا لمن الظالمين) لنفسك مع اعلامنا إياك: (انهم لا يؤمنون) هذا قول أبي علي الجبائي.
الثاني - الدلالة على أن الوعيد يجب باتباع أهوائهم فيما دعوا إليه من قبلتهم، وأنه لا ينفع مع ذلك عمل سلف، لأنه ارتداد. والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به كل من كان بتلك الصفة. كما قال: (لئن أشركت ليحبطن عملك) (1) وهذا قول الحسن، والزجاج.
الثالث - ان معناه الدلالة على فساد مذاهبهم، وتبكيتهم بها. كما تقول: لئن قيل عنك أنه لخاسر تريد به التبكيت على فساد رأيه، والتبعيد من قبوله.
وقوله: (وما أنت بتابع قبلتهم) قيل في معناه أربعة أقوال:
أولها - أنه لما قال: (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلك وما أنت بتابع قبلتهم) على وجه المقالة كما تقول: ما هم بتاركي انكار الحق وما أنت بتارك الاعتراف به، فيكون الذي جر الكلام التقابل للكلام الأول، وذلك حسن من كلام البلغاء.