خطاب لجميع الحاج أن يفيضوا من حيث أفاض إبراهيم (ع) من المزدلفة. والأول إجماع، وهذا شاذ، وليس لاحد أن يقول على الوجه الاخر: كيف يقال لإبراهيم وحده الناس، وذلك أن هذا جائر كما قال: " الذين قال لهم الناس " (1) وإنما كان واحدا بلا خلاف: وهو نعيم بن مسعود الأشجعي، وذلك مستعمل. وقيل إن إبراهيم لما كان إماما، كان بمنزلة الأمة التي تتبع في سنة.
فان قيل: إذا كانت (ثم) للترتيب، فما معنى الترتيب هاهنا؟؟ لنا: الذي رواه أصحابنا أن هاهنا تقديما، وتأخيرا. وتقديره " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام " " واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ". وقال قوم:
المعنى " ثم أفيضوا " من المزدلفة. والذي أجاب به المتأولون: أن قالوا: رتبت الإفاضة بعد المعنى الذي دل الكلام الأول عليه، كأنه قيل: أحرموا بالحج على ما بين لكم " ثم أفيضوا " يا معشر قريش " من حيث أفاض الناس " بعد الوقوف بعرفة. وهذا قريب مما قلناه. وإنما عدل الذي تأوله على الإفاضة من المزدلفة، لأنه رآه بعد قوله، فإذا أفضتم من عرفات، قال: فأمروا أن يفيضوا من المزدلفة بعد الوقوف بها، كما أمروا في عرفة، وقد بينا ترتيب الكلام في التأويل المختار. والاستغفار هو طلب المغفرة، كما أن الاستخبار: طلب السؤال. والمغفرة: التغطية للذنب بايجاب المثوبة. وقيل في معنى الاستغفار قولان: أحدهما - الحض عليه في تلك المواطن الشريفة، لأنها خليقة بالإجابة. الثاني - استغفروه لما سلف من مخالفتكم في الوقوف والإفاضة، كما سنه الله تعالى للناس عامة. والفرق بين غفور وغافر أن في غفور مبالغة لكثرة المغفرة، فأما غافر، فيستحق الصفة فيه بوقوع الغفران. والعفو هو المغفرة. وقد فرق بينهما بأن العفو ترك العقاب على الذنب، والمغفرة تغطية الذنب بايجاب المثوبة. ولذلك كثرت المغفرة في صفات الله تعالى، دون صفات العباد، فلا يقال: استغفر السلطان كما يقال: استغفروا الله.