المسألة التاسعة عشر [حول تكلم هدهد سليمان (عليه السلام) وكيفية عذابه] ما يحيل لكون هدهد سليمان عليه السلام عاقلا من طريقة العقول؟ ليسوغ الانصراف عن ظواهر ما حكاه الله تعالى عنه من الأقوال والأفعال الدالة بظاهرها القوي أنه ذو عقل يساوي عقول المكلفين.
وأقوى ذلك قول سليمان عليه السلام ﴿لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين﴾ (1) وهذا وعيد عظيم لا يجوز توجهه إلى غير ملوم على الخطأ المقصور فهمه عن فهم المكلفين.
وكيف يجوز أن يوجب عليه مثل ذلك؟ لعدم البرهان المبين، وهو الحجة الواضحة التي يقيم عذره، ويسقط الملامة عنه، وقد كان له أن يذبحه من غير هذا الشرط على مقتضى ما أجاب به سيدنا (حرسه الله تعالى) من قبل، أن ذلك كان مباحا له.
فلولا أن العذاب هاهنا والذبح جاريان مجرى العقاب، لما اشترطه في وجوبها (2) عليه عدم البرهان وفي سقوطها عند حصوله.
وهذا يدل على أنه ذو عقل يوجب التكليف له، ولولا ذلك ما حسن هذا الوعيد العظيم على هذا الشرط والترتيب.
ويدل على ذلك أيضا أن سليمان عليه السلام أهله لحمل كتابه والإعادة عليه بما يراه من القوم وما يقولون بقوله (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم