كما أنه اسم لما كان على صورة مخصوصة وهيئة معينة . فلو كان ذلك الهدهد عاقلا لما سماه الله تعالى، وهو يخاطبنا باللغة العربية هدهدا، لأن هذا الاسم وضع لما ليس بعاقل. وإجراؤه على من هو عاقل خروج عن اللغة، فأحوجنا اتباع هذا الظاهر إلى أن نتأول ما حكى عن هذا الهدهد من المحاورة، ونبين كيفية انتسابه إلى ما ليس بعاقل.
وقد قلنا في ذلك وجهين ذكرناهما في جواب المسائل الأولى:
أولهما: أن ليس يكون ما وقع منه قول، ولا نطق بهذا الخطاب المذكور، وإنما كان منه ما يدل على معنى هذا الخطاب، أو ضيف الخطاب إليه مجازا، وهو على مذهب العرب معروف، قد امتلأت به أشعارها وكلامها، فمنه قول الشاعر:
امتلأت (1) الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني ونحن نعلم أن الحوض لا يقول شيئا، وأنه لما امتلأ ولم يبق فيه فضل لزيادة، صار كأنه قائل (حسبي) فلم يبق في فضل لشئ من الماء.
وقد تحاوروا هذا في قول الشاعر: وأحصت لذي بال حين رأيته وكبر للرحمن حين رآني فقلت له أين الذي عهدتهم بحينك في خصب وطيب زمان فقال حصل واستودعوني بلادهم ومن ذا الذي يبقى على الحدثان له بهذه المعاني المحكية عند رؤيته خاليا من أهله، حكى ما استفاده من هذه المعاني عنه توسعا وتفاضحا.
والوجه الآخر: أن يكون وقع من الهدهد كلام منظوم له هذه المعاني المحكية عنه بالهام الله تعالى له ذلك، على سبيل المعجزة لسليمان عليه السلام،