ولهذه الجملة أبطلنا أن يكون القياس في الشريعة الذي يذهب مخالفونا إليه طريقا إلى الأحكام الشرعية، من حيث كان القياس يوجب الظن ولا يقتضي العلم.
ألا ترى إنا نظن حمل الفرع في التحريم على أصل محرم يشبه بجميع (1) بينهما، أنه محرم مثل أصله، ولا نعلم من حيث ظننا أنه يشبه المحرم أنه محرم.
وكذلك إذا أبطلنا العمل في الشريعة بأخبار الآحاد، لأنها لا توجب علما ولا عملا، وأوجبنا أن يكون العمل تابعا للعلم، لأن خبر الواحد إذا كان عدلا فغاية ما يقتضيه الظن بصدقه، ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذبا وإن ظننت به الصدق، فإن الظن لا يمنع من التجويز، فعاد الأمر في العمل بأخبار الآحاد إلى أنه إقدام على ما لا نأمن كونه فسادا أو غير صلاح.
[بطلان العمل بالقياس والخبر الواحد] وقد تجاوز قوم من شيوخنا (رحمهم الله) في إبطال القياس في الشريعة والعمل بأخبار الآحاد، أن قالوا: إنه مستحيل من طريق العقول العبادة بالقياس في الأحكام، وأحالوا أيضا من طريق العقول العمل بأخبار الآحاد، وعولوا على أن العمل يجب أن يكون تابعا للعلم، وإذا كان غير متيقن في القياس وأخبار الآحاد، لم نجد العبادة بها.
والمذهب الصحيح هو غير هذا، لأن العقل لا يمنع من العبادة بالقياس والعمل بخبر الواحد، ولو تعبد الله تعالى بذلك لساغ ولدخل في باب الصحة لأن عبادته تعالى بذلك يوجب العلم الذي لا بد أن يكون العمل تابعا له.