كما جعل من معجزته فهمه لمنطق الطير وأغراضها في أصواتها.
وليس بمنكر أن يقع الكلام الذي فيه بعض الأغراض ممن ليس بعاقل ولا مكلف. ألا ترى أن الصبي الذي لم يبلغ الحلم ولا دخل في التكليف قد يتكلم بكلام فيه أغراض مفهومة وكذلك المجنون.
وليس يجب إذا حكى الله تعالى عن الهدهد ذلك الكلام المرتب المتسق أن يكون الهدهد نطق على هذا الترتيب والتنضيد، بل يجوز أن يكون نطق بما له ذلك المعنى، فحكاه الله تعالى بلفظ فصيح بليغ مرتب مهذب.
وعلى هذا الوجه يحكي العربي عن الفارسي، والفارسي عن العربي، وإن كان العربي (1) لا ينطق بالعربية.
وعلى هذا الوجه حكى الله تعالى عن الأمم الماضية من القبط وغيرهم، وعن موسى عليه السلام وفرعون، ولغتهما لغة القبط ما حكاه من المراجعات والمحاورات، وهم لم ينطقوا بهذه اللغة، وإنما نطقوا بمعانيها بلغتهم، فحكاه الله تعالى باللغة العربية وعفتها وقدسها.
وهذا مزيل العجب من نطق الهدهد بذلك الكلام المرتب، لأنه لا يمتنع أن يكون ما نطق به بعينه، وإنما نطق بماله معناه.
فإن قيل: فقد رجعتم في الجوابين معا عن مطلق (2) القرآن، لأن حمل القول المحكي على أن المراد به ما ظهر من العلامات والدلالات، على ما أنشدتموه من الشعر مجاز غير حقيقة. وكذلك إضافة القول المترتب إلى من لم يقله من ترتيبه، وإنما قال ما له معناه أيضا مجاز، فقد هربتم من مجاز إلى مجاز، من أنكم امتنعتم من أن تسموا هدهدا عاقلا كاملا بمخالفة اللغة، وأنه عدول عن