قلنا: إنما جاز ألا يعلموا في الأحوال التي أشرت إليها بهذه المصالح، لأن العلم بها متعذر في تلك الأحوال، وليس كذلك الأحوال المستقلة (1).
لأن العلم بصفات الأفعال فيها ممكن، يوجب الاعلام به والاطلاع عليه.
وجرى زمان دعوة النبوة والنظر في العلم المعجز مجرى زمان مهلة النظر في معرفة الله تعالى، في أن المعرفة لطف في كل الواجبات، إلا في هذا الواجب الذي هو النظر في طريقها، لاستحالة أن تكون لفظا (2) في ذلك.
[وجوب حصول العلم بدعوى الرسل بأقصر الطرق] وعلى هذا التقدير الذي أوضحناه يجب أن نقول: إنه تعالى لا يوصل إلى العلم بصدق الرسول في دعواه إلا بأقصر الطرق وأخصرها، وأنه إذا كان للعلم بصدقه طريقان، أحدهما أبعد من الآخر، دل بالأقرب دون الأبعد. ولم يظهر على يده إلا ما لا يمكن تصديقه من طريق هو أخص (3) منه.
وإنما قلنا ذلك حتى لا يفوت المكلف العلم بغير جنايته، لأنه قد تفوته مصالحه بجنايته، مثل أن يعرض عن النظر في المعجز، أو ينظر لا من جهة حصول العلم، أو يدخل على نفسه شبهات تمنع من العلم.
فإن قيل: نراكم بهذا الكلام الذي حصلتموه قد نقضتم معتمد الإمامية في حفظ النبي والأئمة للشرائع. لأنهم يقولون: إن المؤدين عن النبي صلى الله عليه وآله شريعته في حياته يجوز أن يكتموها ويخلوا بنقلها حتى يجب على النبي صلى الله عليه وآله التلافي والاستدراك.