المسألة الخامسة [كيفية تعلق العقاب بالكفار في الآخرة] واعترضوا قولنا أنه تعالى لو لم يرد بإيلام الكافرين في الآخرة ما يستحقونه من العقاب، ما انفصل ذلك من الظلم، وذلك لا يجوز.
فإن قالوا: لم زعمتم أن ذلك لا ينفصل من الظلم إلا بالإرادة، وما أنكرتم أن ينفصل منه؟ إذ قوله لعلمه باستحقاقه له، فدعاه ذلك إلى فعله، كما أن هذا الداعي هو الذي فعل الإرادة عندهم لعقابهم، وإذا كان هو الداعي إلى الإرادة فهو الداعي إلى المراد، إذ كان الداعي إلى أحدهما هو الداعي إلى الآخر.
قالوا: ثم يقال لكم: ما تريدون بقولكم قصد بإيلامهم ما يستحقون؟
فإن قلتم: عنينا بذلك إرادة الاستحقاق.
قيل: ليس الاستحقاق بفعل فيراد.
وإن قلتم: عنينا بذلك أنه أراد إيلامهم لأجل الاستحقاق قيل لكم: زدتم بقولكم لأجل الاستحقاق إرادة أخرى، وليس هذا من قولكم، وقد بينا أن الاستحقاق لا يراد.
وإن قلتم: عنينا أنه أراد إيلامهم لأجل الاستحقاق.
قيل لكم: فقد جعلتم المخصص هو كون الاستحقاق داعيا إلى الإرادة، لأنه لو أراد إيلامهم فقط لم ينفصل من الظلم، وإنما ينفصل من الظلم بوقوع الإرادة لأجل داعي الاستحقاق [و] في ذلك وقوع الكفاية بداعي الاستحقاق في التميز من الظلم.
قالوا: فأيتين ذلك أنه سبحانه لو أراد إيلامهم للاستحقاق لما ذكروه لم يفعل هذه الإرادة [إلا] لأنه عالم بحسنها وبحسن الايلام لما حسنت الإرادة