قال أبو محمد: وهذا تعليل فاسد، لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا نظر صحيح، وقد علمنا أن الثمار والخضر تنمى، وهو لا يرى الزكاة فيها، وكراء الإبل وعمل البقر ينمى، وهو لا يرى الزكاة فيها، والدراهم لا تمنى إذا بقيت عندمالكها، وهو يرى الزكاة فيها، والحلي ينمى كراؤه وقيمته، وهو لا يرى الزكاة فيه.
وأما أبو حنيفة فأوجب الزكاة في الحلى، وأسقط الزكاة عن المستعملة من الإبل والبقر والغنم، وهذا تناقض.
واحتج له بعض مقلديه بأن الذهب والفضة قبل أن يتخذ حليا كانت فيهما (1) الزكاة، ثم قالت طائفة: قد سقط عنهما (2) حق الزكاة وقال آخرون: لم يسقط، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف.
فقلنا: هذه حجة صحيحة، إلا أنها لازمة لكم في غير السوائم، لاتفاق الكل على وجوب الزكاة فيها قبل أن تعلف، فلما علفت اختلفوا في سقوط الزكاة أو تماديها، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف.
وقال هذا القائل: وجدنا المعلوفة ننفق عليها ونأخذ منها، ووجدنا السوائم نأخذ منها ولا ننفق عليها، والحلي يؤخذ منه كراؤه (3) وينتفع به ولا ينفق عليه، فكان أشبه بالسوائم منه بالمعلوفة.
فقيل له: والسائمة أيضا ينفق عليها أجر الراعي، وهذه كلها أهواس وتحكم في الدين بالضلال!.
قال أبو محمد: واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلى بآثار واهية، لاوجه للاشتغال بها، الا اننا ننبه عليها تبكيتا للمالكيين المحتجين بمثلها وبما هو دونها إذا وافق تقليدهم! وهي.
خبر رويناه من طريق خالد بن الحارث عن الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى يدها مسكتان (4) غليظتان من ذهب فقال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله) (5)