يجز الاخذ بما رووه من ذلك، مما هو لفظ (1) من دون النبي عليه السلام، ممن اختصر الخبر وأجمله، وكان الفرض أخذ فتيا النبي عليه السلام كما أفتى بها، بنص كلامه فيما أفتى به.
فان قيل: فانا نقيس كل مفطر على المفطر بالوطئ، لأنه كله فطر محرم.
قلنا: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان ههنا هذا القياس باطلا، لأنه قد جاء خبر المتقئ عمدا، وفيه القضاء، ولم يذكر فيه كفارة، فما الذي جعل قياس سائر المفطرين على حكم الواطئ أولى من قياسهم على حكم المتعمد للقئ؟! والآكل، والشارب أشبه بالمتعمد للقئ منهما بالواطئ، لان فطرهم كلهم من حلوقهم لامن فروجهم، بخلاف الواطئ، ولان فطرهم كلهم لا يجوب الغسل، بخلاف فطر الواطئ، فهذا أصح في القياس، لو كان القياس حقا.
وقد أجمعوا على أنه لا كفارة على المتعمد لقطع صلاته، والصلاة أعظم حرمة وآكد من الصيام، فصارت الكفارة خارجة عن الأصل، فلم يجز أن يقاس على خبرها.
فان قال: إني أوجب الكفارة على المعتمد للقئ، لأني أدخله في جملة من أفطر فأمر بالكفارة، وأجعل هذا الخبر الذي رواه مالك وابن جريج، ويحيى عن الزهري:
زائدا على ما في خبر المتعمد للقئ.
قلنا: هذا لازم لكل من استعمل (2) لفظ خبر مالك وابن جريج عن الزهري لازم له، والا فهو متناقض، وقد قال بهذا بعض الفقهاء، وروى عن أبي ثور، وابن الماجشون، إلا أن من ذهب إلى هذا لم يكلم الا في تغليب رواية سائر أصحاب الزهري التي قدمنا (3) على ما اختصره هؤلاء فقط.
وليس إلا قولنا أو قول من أوجب الكفارة والقضاء على كل مفطر، بأي وجه أفطر، بعموم رواية مالك، وابن جريج، ويحيى، وبالقياس جملة على المفطر بالوطئ وبالقئ.
وأما الحنيفيون والمالكيون والشافعيون فلم يتعلقوا بشئ من هذا الخبر أصلا، ولا بالقياس، ولا بقول أحد من السلف! لأنهم أوجبوا الكفارة على بعض من أفطر بغير الوطئ فتعدوا (4) ما رواه جمهور أصحاب الزهري، وأسقطوا الكفارة عن بعض من أفطر بغير الوطئ، مما قد أوجبها فيه غيرهم، فحالفوا ما رواه مالك، ويحيى، وابن جريج