هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال:
لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا، ثم جلس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق (1) فيه تمر، فقال: تصدق بهذا، فقال: أفقر منا؟! فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك).
قال أبو محمد: هكذا رواه منصور بن المعتمر، وشعيب بن أبي حمزة، والليث بن سعد، والأوزاعي، ومعمر، ومسدد، وعراك بن مالك كلهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالف أشهب في هذا اللفظ سائر أصحاب الليث.
فلم يوجب عليه السلام الكفارة على غير من ذكرنا، وقد قال عليه السلام: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فلا يحل مال أحد بغير نص أو إجماع (3) متيقن، ولا يحل لاحد إيجاب غرامة لم يوجبها القرآن ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتعدى بذلك حدود الله، ويبيح المال المحرم، ويشرع ما لم يأذن به الله تعالى.
فان قيل: فلم لم توجبوا الكفارة على كل من أفطر في رمضان فطرا لم يبح له، باي شئ أفطر؟ بما رويتموه من طريق مالك وابن جريج ويحيى بن سعيد الأنصاري، كلهم عن الزهري، ومن طريق أشهب عن الليث عن الزهري، ثم اتفقوا، عن حميد ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة: (أن رجلا أفطر في نهار رمضان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكفر بعتق رقبة. أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، فقال:
لا أجد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر، فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله لا أجد أحوج إليه منى! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، وقال: كله).
قلنا: لأنه خبر واحد، عن رجل واحد، في قصة واحدة، بلا شك، فرواه من ذكرنا عن الزهري مجملا مختصرا، وراه الآخرون الذي ذكرنا قبل، أوتوا بلفظ الخبر كما وقع، وكما سئل عليه السلام، وكما أفتى، وبينوا فيه أن تلك القضية (4) إنما كانت وطأ لامرأته، ورتبوا الكفارة كما أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحال مالك، وابن جريج، يحيى صفة الترتيب، وأجملوا الامر، وأوتوا بغير لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، فلم