فقال زفر بن الهذيل: من صام رمضان. وهو لا ينوى صوما أصلا، بل نوى أنه مفطر في كل يوم منه، الا أنه لم يأكل. ولم يشرب. ولا جامع: فإنه صائم ويجزئه، ولا بد له في صوم التطوع من نية.
وقال أبو حنيفة: النية فرض للصوم في كل يوم من رمضان، أو التطوع، أو النذر إلا أن يجزئه أن يحدثها في النهار، ما لم تزل الشمس، وما لم يكن أكل قبل ذلك، ولا شرب، ولا جامع، فإن لم يحدثها لامن الليل (1) ولا من النهار ما لم تزل الشمس لم ينتفع باحداث النية بعد زوال الشمس، ولا صوم له، وعليه قضاء ذلك اليوم، وأما قضاء رمضان والكفارات فلا بد فيها من النية من الليل (2) لكل يوم، وإلا فلا صوم له، ولا يجزئه أن يحدث النية في ذلك بعد طلوع الفجر.
وقال مالك: لابد من نية في الصوم (3)، وأما في رمضان فتجزئه نيته (4) لصومه كله من أول ليلة منه، ثم ليس عليه أن يجدد نية كل ليلة، إلا أن يمرض فيفطر أو يسافر فيفطر، فلا بد له (5) من نية حينئذ مجددة قال (6): وأما التطوع فلابد له من نية لكل ليلة (7).
وقال الشافعي وداود (8): مثل قولنا، الا أن الشافعي رأى في التطوع خاصة إحداث النية له ما لم تزل الشمس، وما لم يكن أكل قبل ذلك. أو شرب. أو جامع.
وروينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا يصوم الا من أجمع الصيام قبل الفجر.
وعن مالك عن الزهري: أن عائشة أم المؤمنين قالت: لا يصوم الامن أجمع الصيام قبل الفجر.
ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب: أخبرني حمزة بن عبد الله ابن عمر عن أبيه قال: قالت حفصة أم المؤمنين: لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر.
فهؤلاء ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف أصلا، والحنيفيون والمالكيون يعظمون مثل هذا إذا خالف أهواءهم (9)، وقد خالفوهم ههنا، وما نعلم أحدا قبل أبي حنيفة، ومالك قال بقولهما في هذه المسألة، وهم يشنعون أيضا بمثل هذا على من قاله متبعا للقرآن، والسنة الصحيحة، وهم ههنا خالفوا القرآن والسنن (10) الثابتة برأي فاسد لم يحفظ عن أحد قبلهم.