قال أبو محمد: وما رواية الضحاك حجة (1) فكيف رأيه!.
والعجب أن المحتج بهذا أول مخالف له! فيرى في المال حقوقا سوى الزكاة، منها النفقات على الأبوين المحتاجين، وعلى الزوجة، وعلى الرقيق، وعلى الحيوان، والديون والأروش (2) فظهر تناقضهم!.
فان قيل: فقد (3) رويتم من طريق ابن أبي شيبة: ثنا أبو الأحوص عن عكرمة عن ابن عباس قال: من أدى زكاة ماله فليس عليه جناح أن لا يتصدق.
ومن طريق الحكم عن مقسم (4) عن ابن عباس في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) نسختها العشر ونصف العشر.
فان رواية مقسم ساقطة لضعفه، وليس فيها لو صحت (5) خلاف لقولنا.
وأما رواية عكرمة فإنما هي أن لا يتصدق تطوعا، وهذا صحيح.
وأما القيام بالمجهود (6) ففرض ودين، وليس صدقة تطوع.
ويقولون: من عطش فخاف الموت ففرض عليه أن يأخذ الماء حيث وجده، وأن يقاتل عليه.
قال أبو محمد: فأي فرق بين ما أباحوا له من القتال على ما يدفع به عن نفسه الموت من العطش، وبين ما منعوه منه من القتال عن نفسه فيما يدفع به عنها الموت من الجوع والعرى؟! وهذا خلاف للاجماع، وللقرآن، وللسنن، وللقياس.
قال أبو محمد: ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة، أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه، لمسلم أو لذمي، لان فرضا على صاحب الطعام اطعام الجائع (7) فإذا كان ذلك كذلك (8) فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير، وبالله تعالى التوفيق.
وله أن يقاتل عن ذلك، وفان قتل فعلى قاتله القود، وان (9) قتل المانع فإلى لعنة الله، لأنه منع حقا، وهو طائفة باغية، قال تعالى: (فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى تفئ إلى أمر الله) ومانع الحق باغ عن أخيه الذي له الحق. وبهذا قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانع الزكاة. وبالله تعالى التوفيق.
تم كتاب الزكاة بحمد الله تعالى وحسن عونه (10).