وقال الشافعي: لا يجزي الوضوء ولا الغسل بماء قد اغتسل به أو توضأ به وهو طاهر كله، وأصفق أصحابه (1) على أن من أدخل يده في الاناء ليتوضأ فأخذ الماء فتمضمض واستنشق وغسل وجهه ثم ادخل يده في الاناء فقد حرم الوضوء بذلك الماء لأنه قد صار ماء مستعملا، وإنما يجب أن يصب منه على يده، فإذا وضأها أدخلها حينئذ في الاناء * قال أبو محمد: واحتج من منع ذلك بالحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه الجنب أن يغتسل في الماء الدائم * قال أبو محمد: وقالوا: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأن الماء يصير مستعملا، وقال بعض من خالفهم: بل ما نهى عن ذلك عليه السلام الا خوف أن يخرج من إحليله شئ ينجس الماء * قال أبو محمد: وكلا القولين باطل نعوذ بالله من مثله، ومن أن نقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وأن نخبر عنه ما لم يخبر به عن نفسه ولا فعله. فهذا هو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أكبر الكبائر ممن قطع به، فإن لم يقطع به فإنما هو ظن، وقد قال عز وجل: (وان الظن لا يغني من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) ولا بد لمن قال بأحد هذين التأويلين من احدى (2) هاتين المنزلتين. فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة * واحتج بعضهم فقال: لم يقل أحد للمتوضئ ولا للمغتسل أن يردد ذلك الماء على أعضائه، بل أوجبوا عليه أخذ ماء جديد، وبذلك جاء عمل النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء والغسل فوجب أن لا يجزئ * قال أبو محمد: وهذا باطل لأنه لم ينه أحد من السلف عن ترديد الماء على الأعضاء في الوضوء والغسل، ولا نهى عنه عليه السلام قط * ويقال للحنفيين: قد أجزتم تنكيس (3) الوضوء ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
(١٨٦)