والجراحة في الحرب كالمرض، وأولى بالاستحقاق من المغمى عليه، وجهان: أوجههما أنه يسهم له، لأنه نوع من المرض.
(والأظهر أن الأجير) الذي وردت الإجارة على عينه مدة معينة لا لجهاد، بل (لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة) ونحوها.
(والتاجر المحترف) كالخياط والبقال (يسهم لهم إذا قاتلوا) لشهودهم الوقعة وقتالهم. والثاني: لا، لأنهم لم يقصدوا الجهاد. أما من وردت الإجارة على ذمته أو بغير مدة كخياطة ثوب فيعطى وإن لم يقاتل. وأما الأجير للجهاد، فإن كان مسلما فلا أجرة له لبطلان إجازته، لأنه بحضور الصف تعين عليه ولم يستحق السهم في أحد وجهين قطع به البغوي واقتضى كلام الرافعي ترجيحه، لا إعراضه عنه بالإجارة ولم يحضر مجاهدا، ويأتي الكلام على إجارة الذمي. ولو أفلت أسير من يد الكفار أو أسلم كافر أسهم له إن حضر الصف وإن لم يقاتل لشهوده الوقعة ولقصد من أسلم إعلاء كلمة الله تعالى بالاسلام فيقبح حرمانه. وإنما يسهم لكل منهما مما خير بعد حضوره، فإن كان هذا الأسير من جيش آخر أسهم له إن قاتل، لأنه قد بان بقتاله قصده للجهاد، وإن لم يقاتل فكذا في أحد وجهين صححه في الشرح الصغير لشهوده الوقعة. (وللراجل سهم والفارس ثلاثة) له سهم وللفرس سهمان للاتباع فيهما، رواه الشيخان. ومن حضر بفرس يركبه يسهم له وإن لم يقاتل عليه إذا كان يمكنه ركوبه، لا إن حضر معه ولم يعلم به فلا يسهم له. ولو استعار فرسا أو استأجره أو غصبه ولم يحضر المالك الوقعة أو حضر وله فرس غيره أسهم له لا للمالك، لأنه الذي أحضره وشهد به الوقعة. أما إذا كان المالك حاضرا ولا فرس له وعلم بفرسه، أو ضاع فرسه الذي يريد القتال عليه فإنه يستحق سهمه كما علم مما مر. وإن كان معه فرس فلا يستحق سهم المغصوب ولا الضائع لما سيأتي أنه لا يعطى إلا لفرس واحد. ولو ركب شخصان فرسا وشهدا الوقعة وقويت على الكر والفر بهما أعطيا أربعة أسهم، سهمان لهما وسهمان للفرس، وإن لم تقو على ذلك فلهما سهمان. ولو قاتلوا في ماء أو حصن وقد أحضر الفارس فرسه أعطي الأسهم الثلاثة، لأنه قد يحتاج إلى الركوب، نص عليه. وحمله ابن كج على من بقرب الساحل واحتمل أن يخرج ويركب وإلا فلا معنى لاعطائه سهم الفرس، وأقراه.
تنبيه: هذا كله في غنيمة الكاملين، فلو انفرد أهل الرضخ بغنيمة خمست وقسم الباقي بينهم بقدر نفقتهم، ويتبعهم صغار السبي في الاسلام، فإن حضر معهم كامل فالغنيمة له ويرضخ لهم. (ولا يعطى) الفارس (إلا لفرس واحد) وإن كان معه أكثر، لما روى الشافعي وغيره أنه (ص) لم يعط الزبير إلا لفرس وكان معه يوم حنين أفراس.
(عربيا كان) الفرس (أو غيره) كالبرذون: وهو ما أبواه أعجميان، والهجين: وهو ما أبوه عربي دون أمه، والمقرف بضم الميم وسكون القاف وكسر الراء: عكسه، لأن الكر والفر يحصل من كل منهما ولا يضر تفاوتهما كالرجال.
(لا لبعير وغيره) كالبغل والحمار والفيل، لأنها لا تصلح للحرب صلاحية الخيل له بالكر والفر. واستأنسوا له بقوله تعالى: * (ومن رباط الخيل) * فخصها بالذكر. وصوب الشامل عن الحسن البصري أنه يسهم للإبل لقوله تعالى: * (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) * لكن السنة بينت أنه إنما يسهم للخيل، وأما غيرها ما فيرضخ له. ويفضل الفيل على البغل، والبغل على الحمار. واختلف في تفضيل البعير على البغل وعكسه، فقيل: يفضل البعير لما نقل عن الحسن البصري، وقيل: يفضل البغل، وجرى عليه في الأنوار، والأول استظهره شيخنا. وحمل بعضهم كلام من فضل البعير على البغل على الهجين وكلام من عكس على غيره، وهذا أظهر. والحيوان المتولد بين ما يرضخ له وما يسهم له حكم ما يرضخ له. ولا يدخل الإمام دار الحرب إلا فرسا شديدا، (و) حينئذ (لا يعطى) السهم (لفرس أعجف) أي مهزول بين الهزال (وما لا غناء) بفتح المعجمة وبالمد، أي لا نفع (فيه) كالهرم والكبير لعدم فائدته، بل هو على صاحبه.