تنبيه: قال في الاحياء: لو لم يدفع السلطان إلى المستحقين حقوقهم من بيت المال، فهل يجوز لأحدهم أخذ شئ من بيت المال؟ فيه أربعة مذاهب: أحدها لا يجوز أخذ شئ أصلا لأنه مشترك ولا يدرى قدر حصته منه، قال:
وهذا غلو. والثاني: يأخذ كل يوم قوت يوم. والثالث: يأخذ كفاية سنة. والرابع: يأخذ ما يعطى وهو حصته، قال:
وهذا هو القياس، لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين كالغنيمة بين الغانمين والميراث بين الورثة لأن ذلك لهم، حتى لو ماتوا قسم بين ورثتهم، وهنا لو مات لم يستحق وارثه شيئا اه. وأقره في المجموع على هذا الرابع، وهو ظاهر.
وفي فتاوى المصنف: لو غصب من جماعة من كل واحد شيئا معينا وخلط الجميع ثم فرق عليهم جميع المختلط على قدر حقوقهم فإنه يحل لكل واحد وجد قدر حصته، فإن فرق على بعضهم فللمدفوع إليه أن يقسم القدر الذي أخذه عليه، وعلى الباقين بالنسبة إلى قدر أموالهم اه. وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب الغصب. (والثاني: بنو هاشم و) بنو (المطلب) ومنهم إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه، وهم آل النبي (ص)، وهم المراد بذي القربى في الآية دون بني عبد شمس وبني نوفل وإن كان الأربعة أولاد عبد مناف، لاقتصاره (ص) في القسم على بني الأولين مع سؤال بني الآخرين له، رواه البخاري. ولأنهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام، حتى إنه لما بعث (ص) بالرسالة نصروه وذبوا عنه، وبخلاف بني الآخرين بل كانوا يؤذونه. والثلاثة الأول أشقاء، ونوفل أخوهم لأبيهم، وعبد شمس هو جد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. والعبرة بالانتساب إلى الآباء، أما من انتسب منهم إلى الأمهات فلا، كذا قالاه. واستثنى السبكي أولاد بناته (ص) كأمامة بنت أبي العاص من بنته زينب وعبد الله بن عثمان من بنته رقية، فإنهم من ذوي القربى بلا شك، قال: ولم أرهم تعرضوا لذلك، فينبغي الضبط بقرابة هاشم والمطلب لا بينهما اه.
وحينئذ فيستثنى أولاد بناته (ص) من قولهم: إنه لا عبرة بالانتساب إلى الأمهات، ويؤيده ما صححوه: أن من خصائصه (ص) انتساب أولاد بناته إليه بخلاف غيره، قاله ابن شهبة. وأجاب شيخنا بأن المذكورين توفيا صغيرين ولم يكن لهما نسل فلا فائدة لذكرهما اه. فلا يحتاج إلى استثناء السبكي مع أنه دخل في عبارته غير المراد، فإن قرابة هاشم والمطلب أعم من فروعهما على الوجه المذكور. (يشترك) في خمس الخمس (الغني والفقير) لاطلاق الآية، وأعطى النبي (ص) العباس منه، وكان من أغنياء قريش. (والنساء) لأن الزبير رضي الله تعالى عنه كان يأخذ سهم أمه صفية عمة النبي (ص)، وكان الصديق رضي الله تعالى عنه يدفع للسيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها منه، ولولا هذه الأدلة لم يدفع للنساء شئ لأن الآية إنما تدل على الصرف للذكور، فإن ذو اسم مذكر وجعله للشخص الذي يشمل الذكر والأنثى يحتاج إلى دليل، قاله السبكي. (و) لكن (يفضل الذكر) ولو صغيرا على الأنثى، فله سهمان ولها سهم فإنه عطية من الله تعالى يستحق بقرابة الأب. قال الأذرعي: والظاهر أن الخنثى كالأنثى، ولا يوقف له شئ اه.
بل الظاهر أنه يوقف له تمام نصيب الذكر كما يؤخذ من قول المصنف: (كالإرث) وحكي الإمام في أن الذكر يفضل على الأنثى إجماع الصحابة، ونقل عن المزني وأبي ثور وابن جرير التسوية.
تنبيه: علم من قوله: كالإرث أنهم لو أعرضوا عن سهمهم لم يسقط، وهو الأصح. وقد ذكره المصنف في السير.
ومن إطلاق الآية أنه يجب تعميمهم، وأنه يسوي بين مدل بجهتين ومدل بجهة وإن خالف في ذلك القاضي حسين، وأنه لا يفضل كبير على صغير ولا قريب على بعيد ولا حاضر بموضع الفئ على غائب عنه. (والثالث: اليتامى) للآية جمع يتيم، (وهو صغير) ذكر أو خنثى أو أنثى لم يبلغ الحلم (لا أب له) أما كونه صغيرا فلخبر: لا يتم بعد احتلام رواه أبو داود وحسنه المصنف وإن ضعفه المنذري وغيره. وأما كونه لا أب له فللوضع والعرف، سواء أكان من أولاد المرتزقة أم لا، قتل أبوه في الجهاد أم لا، له جد أم لا. ووقع في الروضة في باب النكاح أن اليتيمة هي التي لا جد لها، والمذكور هنا هو الصواب. ويمكن أن يقال إن المراد باليتيمة في باب النكاح هي التي لا تزوج إلا