إليه في نوبته وإلا فلا، وإنما لم يعط المكاتب من زكاة سيده لعود الفائدة إليه. فإن قيل: لرب الدين أن يعطى غريمه من زكاته فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المكاتب ملك لسيده فكأنه أعطى مملوكه، بخلاف الغارم. ويعطى المكاتب مع قدرته على كسب ما يؤدي به النجوم. فإن قيل: قد مر أن الفقير والمسكين لا يعطيان حينئذ كما مر، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن حاجتهما تتحقق يوما بيوم، والكسوب يحصل كل يوم كفايته، ولا يمكن تحصيل كفاية الدين إلا بالتدريج، ولا يزادون على ما يؤدون لعدم الحاجة إليه. ولو استدان المكاتب شيئا فك به رقبته أعطي من سهم الغارمين لا المكاتبين كما نقلاه عن فتاوى البغوي. ولو عجز المكاتب استرد منه ما أخذه إن كان باقيا. وتعلق بدله بذمته إن كان تالفا لحصول المال عنده برضا مستحقه. فلو قبضه السيد رده إن كان باقيا، وغرم بدله إن كان تالفا.
ولو ملكه السيد شخصا لم يسترده منه بل يغرمه السيد. ثم شرع في الصنف السادس، وهو من لزمه دين، وهو على ثلاث أضرب: دين لزمه لمصلحة نفسه، ودين لزمه لتسكين فتنة وهو إصلاح ذات البين، ودين لزمه لا لتسكينها، والمصنف أسقط هذا الضرب. ولكنه يؤخذ من مفهوم قوله: استدان لنفسه. وقد بدأ بالضرب الأول من ذلك، فقال:
(والغارم إن استدان لنفسه) شيئا يصرفه في غرضها (في غير معصية) من طاعة أو مباح، كحج وجهاد وتزوج وأكل ولبس، (أعطي) ومثله من لزمه الدين بغير اختياره، كما لو وقع على شئ فأتلفه، بخلاف المستدين في معصية، ومثل الرافعي الاستدانة للمعصية بثمن الخمر والاسراف في النفقة. فإن قيل: قد سبق في الحجر عدم تحريم الاسراف في المطاعم ونحوها على الأصح. أجيب بأن المراد هنا إسراف في نفقة بقرض لا يرجو له وفاء بخلافه هناك، ومثله من لزمه الدين بإتلاف مال الغير عدوانا فلا يعطى: (قلت: الأصح يعطى) مع الفقر (إذا تاب) عنها، (والله أعلم) لأن التوبة قطعت حكم ما قبلها فصار النظر إلى حال وجودها كالمسافر لمعصية إذا تاب فإنه يعطى من سهم ابن السبيل. قال الرافعي: ولم يتعرضوا هنا لمدة الاستبراء ليظهر حاله، إلا أن الروياني قال: يعطى إذا غلب على الظن صدقه في توبته فيمكن حملا على إطلاقهم عليه، قال في المجموع: والظاهر ما قاله الروياني وإن قصرت المدة. والثاني: لا يعطى لأنه ربما اتخذ ذلك ذريعة ثم يعود قال الإمام: ولو استدان لمعصية ثم صرفه في مباح أعطي، وفي عكسه يعطى أيضا إن عرف قصد الإباحة أو لا، ولكنه لا يصدق فيه، والأولى واردة على المصنف واستدراكه لما يفهمه عموم مفهوم الشرط من قوله:
إن استدان في غير معصية فإنه يفهم أن المستدين لمعصية لا يعطى مطلقا، ولهذا نقل في الروضة عن المحرر الجزم بأنه لا يعطى، ومراده ما اقتضاه عموم المفهوم. (والأظهر اشتراط حاجته) أي المستدين بأن لا يقدر على وفاء ما استدانه، لأنه إنما يأخذ لحاجته كالمكاتب، فلو وجد ما يقضي به دينه لم يعط. قال الرافعي: ومن المهم البحث عن معنى الحاجة، وعبارة أكثرهم تقتضي كونه فقيرا لا يملك شيئا وربما صرحوا به. ثم قال: والأقرب قول بعض المتأخرين: لا يعتبر الفقر والمسكنة، بل لو ملك قدر كفايته، ولو قضى دينه مما معه تمسكن فيترك له مما معه ما يكفيه ويعطى ما يقضي به باقي دينه، ووافقه في الروضة والمجموع.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أمرين: أحدهما أنه لو قدر على قضاء دينه بالاكتساب أنه لا يعطى، والأصح كما في الروضة أنه يعطى لأنه لا يقدر على قضائه إلا بعد زمن وحاجته حاصلة في الحال لثبوت الدين في ذمته، وقد يقال هو حينئذ محتاج. ثانيهما: عود الخلاف إلى التائب تفريعا على إعطائه، وليس مرادا، بل اشتراط الحاجة مجزوم به في هذه الصورة، والخلاف عائد للاستدانة في غير معصية (دون حلول الدين) فلا يشترط في الأظهر كما يشعر به كلامه، لكن قوله: (قلت: الأصح اشتراط حلوله، والله أعلم) يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو ما في الشرحين والروضة:
وإنما لم يعط قبل الحلول لعدم حاجته إليه الآن، وقد تقدم الفرق بينه وبين المكاتب. ثم شرع في الضرب الثاني، فقال: (أو) أي أو استدان (لاصلاح ذات البين) أي الحال بين القوم، كأن يخاف فتنه بين شخصين أو قبيلتين