تنبيه: قضية إطلاقهم بطلان وصية المبعض، قال الأذرعي: ولم أر فيه نصا، وقياس التوريث عنه الصحة اه. فتصح فيما يستحقه ببعضه الحر لأنه يورث عنه. قال شيخنا: وظاهر أن محله في غير العتق لأن العتق يستعقب الولاء، والمبعض ليس من أهله اه. والذي يظهر كما قال شيخي الصحة، لأن الرق ينقطع بالموت، والعتق لا يكون إلا بعده. ثم شرع في الركن الثاني، وهو الموصى له، فقال: (وإذا أوصى لجهة عامة، فالشرط) في الصحة (أن لا تكون) الجهة (معصية كعمارة كنيسة) للتعبد فيها ولو ترميما، وكتابة التوراة والإنجيل وقراءتهما، وكتابة كتب الفلسفة والنجوم وسائر العلوم المحرمة، ومن ذلك الوصية لدهن سراج الكنيسة تعظيما لها، أما إذا قصد انتفاع المقيمين والمجاورين بضوئها، فالوصية جائزة وإن خالف في ذلك الأذرعي. سواء أوصى بما ذكر مسلم أم كافر، بل قيل: إن الوصية ببناء الكنيسة من المسلم ردة. ولا تصح أيضا الوصية ببناء موضع لبعض المعاصي كالخمارة. وإذا انتفت المعصية فلا فرق بين أن يكون قربة كالفقراء أو بناء المساجد وعمارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق الشيخ أبو محمد بها قبور العلماء والصالحين لما فيه من إحياء الزيارة والتبرك بها. أو مباحة لا تظهر فيها القربة كالوصية للأغنياء وفك أسارى الكفار من المسلمين، لأن القصد من الوصية تدارك ما فات في حال الحياة من الاحسان، فلا يجوز أن تكون معصية.
تنبيه: أطلق المصنف منع الوصية بعمارة الكنيسة، ومحله في كنيسة للتعبد كما قيدت به كلامه، أما كنيسة تنزلها المارة أو موقوفة على قوم ليسكنوا بها أو تحمل أجرتها للنصارى فيجوز، نص عليه في كتاب الجزية. وحكى الماوردي وجها:
أنه إن خص نزولها بأهل الذمة حرم، واختاره السبكي. ولو أوصى ببنائها لنزول المارة والتعبد لم يصح في أحد وجهين يظهر ترجيحه تغليبا للحرمة. (أو) أوصى (لشخص) أي معين، ولو عبر به بدلا عن الشخص كما فعل في الوقف لكان أولى، ليدخل ما إذا تعدد إفراده: كزيد وعمرو وبكر. (فالشرط) عدم المعصية كما يؤخذ من التعليل السابق. وخرج بالمعين الوصية لاحد الرجلين فلا تصح نعم إن كان بلفظ العطية، كأعطوا العبد لاحد الرجلين صح كما حكاه الرافعي عن المهذب والتهذيب وغيرهما، تشبيها بما إذا قال لوكيله: بعه لاحد الرجلين و (أن يتصور له الملك) عند موت الموصي ولو بمعاقدة وليه. وقضية هذا إنها لا تصح لميت، لكن ذكر الرافعي في باب التيمم: أنه لو أوصى بماء لأولى الناس به وهناك ميت قدم على المتنجس أو المحدث الحي على الأصح، وهذه في الحقيقة ليست وصية لميت بل لوارثه لأنه هو الذي يتولى أمره.
تنبيه: مقتضى هذا التقسيم أنه لا بد من ذكر الموصى له معينا أو عاما، لكن كلام الرافعي في باب الوقف يقتضي الاتفاق على أنه لا يشترط. وقال في زوائد الروضة هنا: لو قال: أوصيت بثلث مالي لله تعالى صرف في وجوه البر، ذكره صاحب العدة وقال: هو قياس قول الشافعي. ويؤخذ من اعتبار تصور الملك اشتراط كون الموصى به مملوكا للموصى فتمتنع الوصية بمال الغير، وهو قضية كلام الرافعي في الكتابة، لكنه هنا حكي وجهين. قال المصنف: وقياس الباب الصحة، أي يصير موصى به إذا ملكه قبل موته، وهو المعتمد وإن نوزع في ذلك. ولو أرسل الوصية ولا شئ له صح كما قاله الرافعي في الركن الخامس من الطلاق، كالنذر، وكذا لو علق بملكه له، كأن قال: أوصيت به لفلان إن ملكته فصير موصى به إذا ملكه، فإن كان يملك بعضه صحت قطعا. قال القاضي أبو الطيب: ويؤخذ منه أيضا أن الوصية لا تصح لجني، وبه صرح ابن قدامة الحنبلي لأنه لا يملك بالتمليك، وهو موافق لمن منع نكاح الجنية، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح. ثم فرع المصنف على تصور الملك قوله:
(فتصح) الوصية (لحمل) موجود ولو نطفة كما يرث بل أولى لصحة الوصية لمن يرث كالمكاتب. أما لو قال لحملها الذي سيحدث فالأصح البطلان. (وتنفذ) بمعجمة، (إن انفصل) الحمل (حيا) حياة مستقرة، فلو انفصل ميتا ولو بجناية فلا شئ له كما لا يرث (وعلم