بمعنى الايصاء: أي لا تشمل الوصاية فإن الباب معقود لهما، والايصاء يعم الوصية والوصايا لغة، والتفرقة بينهما من اصطلاح الفقهاء، وهي تخصيص الوصية بالتبرع المضاف لما بعد الموت، والوصاية بالعهد إلى من يقوم على من بعده. والوصية لغة: الايصال، من وصى الشئ بكذا وصله به، لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه. وشرعا: تبرع بحق مضاف ولو تقديرا لما بعد الموت، وليس التبرع بتدبير ولا تعليق عتق وإن التحقا بها حكما كالتبرع المنجز في مرض الموت أو الملحق به. والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى في أربعة مواضع من المواريث: * (من بعد وصية يوصى بها) * وأخبار كخبر الصحيحين:
ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده أي ما الحزم أو ما المعروف من الأخلاق إلا هذا، فقد يفجؤه الموت. ولخبر ابن ماجة: المحروم من حرم الوصية، من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة ومات مغفورا له وكانت أول الاسلام واجبة بكل المال للوالدين والأقربين بقوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا) * أي مالا * (الوصية) * الآية، ثم نسخ وجوبها بآيات المواريث، وبقي استحبابها في الثلث فأقل لغير الوارث وإن قل المال وكثر العيال. والأفضل تقديم القريب غير الوارث وتقديم المحرم منهم ثم ذي رضاع ثم صهر ثم ذي ولاء ثم جوار كما في صدقة التطوع المنجزة، وأهل الخير والمحتاجون ممن ذكر أولى من غيرهم. أما الوارث فلا يستحب الوصية له، وهي واجبة على من عليه حق الله تعالى: كزكاة وحج، أو حق لآدميين: كوديعة ومغصوب إذا لم يعلم بذلك من يثبت بقوله، بخلاف ما إذا كان به من يثبت بقوله، فلا تجب الوصية به. قال الأذرعي: إذا لم يخش منهم كتمانه كالورثة الموصى له اه. وهو حسن، وينبغي كما قال الأسنوي أنه يكتفي بالشاهد الواحد. وصدقة الشخص صحيحا ثم حيا أفضل من صدقته مريضا وبعد الموت، لخبر الصحيحين: أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى ونخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا. وأركان الوصية أربعة: موص، وموص له، وموصى به، وصيغة وذكرها المصنف على هذا الترتيب، وبدأ بالأول فقال: (تصح وصية كل مكلف حر) مختار بالاجماع، لأنها تبرع، (وإن كان كافرا) ولو حربيا كما قاله الماوردي، وإن استرق بعدها، وماله عندنا بأمان كما بحثه الزركشي.
تنبيه: شمل إطلاقه المرتد فتصح وصيته. نعم إن مات أو قتل كافرا بطلت وصيته لأن ملكه موقوف على الأصح، ومن عليه دين مستغرق فتصح وصيته كما يؤخذ من كلام القاضي. (وكذا محجور عليه بسفه) تصح وصيته (على المذهب) لصحة عبارته، ونقل فيه ابن عبد البر والأستاذ أبو منصور وغيرهما الاجماع. وإنما أفرده المصنف مع دخوله في المكلف الحر بالذكر للخلاف فيه. والطريق الثاني قولان: أحدهما لا تصح للحجر عليه، فالسفيه بلا حجر تصح وصيته جزما، وخرج بالسفيه حجر الفلس فتصح الوصية معه جزما كما قاله القاضي حسين. ثم شرع في محترز قوله: مكلف، فقال:
(لا مجنون) ومعتوه ومبرسم (ومغمى عليه وصي) فلا تصح وصية كل منهم، إذ لا عبارة لهم. وأما السكران المتعدى بسكره فإنه في رأي المصنف غير مكلف وتصح وصيته. واستثنى الزركشي من المغمى عليه ما لو كان سببه سكرا عصى به وكلامه منتظم، فتصح وصيته. (وفي قول تصح) الوصية (من صبي مميز) كما نص عليه في الاملاء، ورجحه جمع من الأصحاب، ولأنها لا تزيل ملكه في الحال، وتفيد الثواب بعد الموت. وأفهم كلامه أن غير المميز لا تصح وصيته جزما.
وبه صرح المتولي والدارمي. ثم شرع في محترز قوله: حر فقال: (ولا رقيق) فلا تصح وصيته. سواء أكان قنا أم مدبرا أم مكاتبا لم يأذن له سيده، أم أم ولد، لأن الله تعالى جعل الوصية حيث التوارث، والرقيق لا يورث، فلا يدخل في الامر بالوصية. (وقيل إن) أوصى في حال رقه ثم (عتق ثم مات صحت) لأن عبارته صحيحة، وقد أمكن العمل بها، والصحيح المنع لعدم أهليته حينئذ. أما إذا أذن للمكاتب سيده فتصح وصيته لصحة تبرعه بالاذن، وبه صرح الصيمري.