بالتزوج الذي هو القبول لأن التفاصيل المذكورة من كراهة وغيرها إنما هي فيه لا في العقد المركب الذي هو النكاح.
(فإن فقدها) بفتح القاف: أي عدم الأهبة، (استحب) له (تركه) لقوله تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) *، ولمفهوم قوله (ص): من استطاع منكم الباءة فليتزوج، والذي في الروضة وأصلها، الأولى أن لا ينكح وهي دون عبارة الكتاب في الطلب كما قال ابن النقيب ونظر فيه، وأشد منها في الطلب قوله في شرح مسلم بكراهة النكاح. ولو قال المصنف: لم يستحب كان أخصر وأظهر في المراد، (ويكسر) إرشادا (شهوته بالصوم) للخبر السابق. قالوا: والصوم يثير الحركة أولا، فإذا دام سكنت، وإن لم تنكسر شهوته تزوج، قال عمر رضي الله عنه:
ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد قوله تعالى: * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) *. وروى الترمذي:
ثلاث حق على الله أن يعينهم منهم الناكح يريد أن يستعفف. وفي مراسيل أبي داود أنه (ص) قال: من ترك التزوج مخافة العيلة فليس منا. وأجيب عن قوله تعالى: * (وليستعفف) * بحملها على من لم يجد من يتزوجه ولا يكسرها بكافور ونحوه، لأنه نوع من الخصاء وقال البغوي: يكره أن يحتال لقطع شهوته، ونقله في المطلب عن الأصحاب وقيل: يحرم، وجزم به في الأنوار. والأولى حمل الأول على ما إذا لم يغلب على ظنه قطع الشهوة بالكلية بل تغيرها في الحال، ولو أراد إعادتها باستعمال ضد تلك الأدوية لامكنه ذلك. والثاني: على القطع لها مطلقا. (فإن لم يحتج) للنكاح بأن لم تتق نفسه له من أصل الخلقة أو لعارض كمرض أو عجز، (كره) له (إن فقد الأهبة) لما فيه من التزام ما لا يقدر على القيام به من غير حاجة. وحكم الاحتياج للتزويج لغرض صحيح غير النكاح كخدمة وتأنس كالاحتياج للنكاح كما بحثه الأذرعي، وفي الاحياء ما يدل عليه.
تنبيه: محل الكراهة فيمن يصح نكاحه مع عدم الحاجة، أما من لا يصح مع عدم الحاجة كالسفيه فإنه يحرم عليه النكاح حينئذ، قاله البلقيني. (وإلا) بأن وجد الأهبة مع عدم حاجته للنكاح ولا علة به، (فلا) يكره له لقدرته عليه، ومقاصد النكاح لا تنحصر في الجماع، (لكن العبادة) أي التخلي لها في هذه الحالة (أفضل) له من النكاح إذا كان يقطعه عنها اهتماما بها. وفي معنى التخلي للعبادة التخلي للاشتغال بالعلم كما قاله الماوردي، بل هو داخل فيها.
تنبيه: قضية كلامه أن النكاح ليس بعبادة بل هو مباح بدليل صحته من الكافر، ولو كان عبادة لما صح منه. ورد بأنه إنما صح من الكافر وإن كان عبادة لما فيه من عمارة الدنيا كعمارة المساجد والجوامع والعتق، فإن هذه تصح من المسلم وهي منه عبادة، ومن الكافر وليست منه عبادة، ويدل لكونه عبادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم. والعبادة تتلقى من الشرع، وفي فتاوى المصنف: إن قصد به طاعة من ولد صالح أو إعفاف فهو من عمل الآخرة ويثاب عليه، وإلا فهو مباح اه. وينزل الكلامان على هذا. واستثني من ذلك نكاح النبي (ص) فإنه عبادة مطلقا، وفائدته نقل الشريعة التي لا يطلع عليها إلا النساء. (قلت) كما قاله الرافعي في الشرح: (فإن لم يتعبد) فاقد الحاجة للنكاح واجد الأهبة الذي لا علة به، (فالنكاح) له (أفضل) من تركه (في الأصح) كيلا تفضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش. والثاني: تركه أفضل منه للخطر في القيام بواجبه. وفي الصحيح: اتقوا الله واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء. (فإن وجد الأهبة و) لكن (به علة كهرم) وهو كبر السن، (أو مرض دائم أو تعنين) دائم أو كان ممسوحا، (كره) له (والله أعلم) لعدم الحاجة إليه مع منع المرأة من التحصين، أما من يعن في وقت دون وقت فلا يكره له وإن أفهم عدم تقييد المصنف له خلافة: والتعنين مصدر عن: أي تعرض، فكأنه يتعرض للنكاح ولا يقدر عليه. ثم شرع في الصفات المطلوبة في المنكوحة، فقال: (ويستحب دينة) لخبر الصحيحين:
تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها. أي وهو زيادة النسب، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك